الأخبار

د . ماجد الخواجا : معنى أن تكون متطوعاً

د . ماجد الخواجا : معنى أن تكون متطوعاً
أخبارنا :  

منذ قمت بتدريس مادة القيم والأخلاق الإنسانية في الجامعة الأردنية، دخلت من بوابات كثيرة غنية بتفاصيل الحياة، لكن ما سأتحدث عنه هو تلك المشاريع الرائدة التي يتم تنفيذها من قبل طلبة المادة تحت مسمى «مبادرات تطوعية» حيث تستند كمتطلب أن يقوم الطلبة بتشكيل فريق أو مجموعة منهم ويختاروا عملاً تطوعياً يعملون على تنفيذه سواء اكان داخل الحرم الجامعي أم خارجه في المجتمع المحلي.
تجربة ثرية وغنية يكتسبها الطلبة من خلال هذا العمل التطوعي الذي يؤدونه بشكل اختياري ودون مقابل، يبذلون الجهد والوقت والفكر في سبيل إنجاز العمل بأفضل ما يمكن له، ومن يتجول داخل الحرم الجامعي سيشاهد ويلمس كثيراً من أعمال الطلبة الطوعية التي تراكمت عبر الفصول الدراسية وأصبحت بمثابة ثقافة مشاعة ومنتشرة يقبل عليها الطالب بمحبة واستمتاع، فهناك مقاعد تمت صيانتها، وهناك أدراج تم تلوينها، هناك حدائق تم تزيينها، وهناك ساحات تمت زراعتها، هناك حملات تبرع بالدم وأيام عمل تطوعية مع مرضى السرطان، مع تكية أم علي، مع جمعيات الأيتام، مع صيانة وتنظيف أحياء شعبية، مع رسومات تجميلية تنبض بالفرح والحياة، لا بل وصل الحال إلى أن نال جريدة الدستور شيئاً من هذا العمل التطوعي، عندما اقترحت مجموعة من طلبتي أن يقوموا بمبادرتهم في ساحة الجريدة وتجميلها وتزيينها بالورود.
لم تأت فكرة التطوع من فراغ أو ترف أو زيادة أعباء على الطلبة، إنما جاءت بمثابة ركيزة أساسية تبنى عليها الأخلاق الإنسانية التي تعتني بالجوانب المشرقة في النفس البشرية، كالتعاون والمساعدة والشعور بالآخرين والرغبة في تطوير مفهوم الذات الإيجابي، وزيادة المهارات في جوانب محددة، والتعرّف على حاجات وأولويات المجتمع، وتوطيد العلاقات البينية لدى الطلبة ومع المجتمع المحلي، وتنمية وتقوية الانتماء للجامعة الحاضنة لهم. هذه وغيرها أسباب تكفي كي يكون للعمل التطوعي مساحة يعتدّ بها ضمن الحياة الطلابية الجامعية.
في اليوم الخامس من شهر كانون الأول من كل عام حددت الأمم المتحدة ومنذ عام 1985 يوم العمل التطوعي العالمي، حيث يحتفل بهذا اليوم في غالبية بلدان العالم، ويعتبر الهدف المعلن من هذا النشاط هو شكر المتطوعين على مجهوداتهم إضافةً إلى زيادة وعي الجمهور حول مساهمتهم في المجتمع.
يمكن تعريف العمل التطوعي هو كل عمل خير يقوم به الإنسان دون مقابل. لقد تطور مفهوم العمل التطوعي في وقتنا الحالي ليصبح نشاطاً اجتماعياً قائماً بشكلٍ كبير على نشر الإيجابية في المجتمع وبات يتخذ أشكالاً عديدة سواء كان ببذل الجهد الجسدي لمساعدة الآخر أو إنفاق المال ومساعدة المحتاج أو حتى بنشر العلم دون طلب أي مردودٍ مادي أو نشر الفائدة بأي طريقة. نشأ العمل التطوعي مع الإنسان، حيث أخذ يزاوله عبر العصور ومن خلال مجموعات من الناس، ممن يستشعرون دورهم وواجباتهم نحو بني قومهم، ونتيجة لارتقاء الوعي المجتمعي، فقد تطورت برامج وممارسات الأعمال التطوعية تطوراً مذهلاً وأصبحت عملاً مؤسسياً منظماً ورافداً حيوياً من روافد العطاء والتنمية. حيث إنه في بعض الاحصاءات الأمريكية، بلغ ما تطوع به 95 مليون متطوع ما قيمته 176 بليون دولار أمريكي في عام واحد، وأن مجموع ساعات التطوع 21 بليون ساعة، وهو ما يوازي عمل 9 ملايين موظف في العام. وتعد بريطانيا أول من أسس فرقا تطوعية لمواجهة حريق لندن الشهير في عام (1666)، كما استفادت أيضا من المتطوعين خلال الحربين العالميتين .أما أول من قام بتقنين العمل التطوعي وتنظيمه بالأسلوب الحديث، فهي الولايات المتحدة الأمريكية التي أصدرت في عام (1737 ) قانوناً ينظم العمل التطوعي في مجال إطفاء الحريق . وهناك من يرى أن موقعة ( سلفرينو 1859) هي السبب المباشر وراء ظهور المنظمات التطوعية بمفهومها المؤسسي الحديث.
يبرز العمل التطوّعي المؤسسي في الكشافة هي حركة شبابية تربوية تطوعية غير سياسية عالمية، هدفها تنمية الشباب بدنيًا وثقافيًا. أسسها ووضع قواعدها اللورد بادن باول عام 1907. كما أن المنظمات غير الحكومية وغير الربحية هي الشكل المتطوّر للعمل التطوّعي المؤسسي.
إن معنى أن تكون متطوعاً فأنت قنديل أمان يظنّك اليتيم أباه ويراكَ العجوز عكّازه ويطمئن عامل النظافة لأنك سنده»، تختزل العبارة السابقة أجمل ما قيل في العمل التطوعي والمتطوعين، وتسلّط الضوء في ذات الوقت على قيم إنسانية نبيلة مثل التضامن والتكافل والتآزر وغيرها، التي تعمل على تعزيز النسيج المجتمعي وتساعد في تعزيز الشعور بالانتماء والالتزام لدى المواطنين تجاه مجتمعهم على كافة الأصعدة. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك