الأخبار

الاب رفعت بدر : عشر سنوات على تهجير مسيحيي الموصل

الاب رفعت بدر : عشر سنوات على تهجير مسيحيي الموصل
أخبارنا :  

تمرّ في هذه الأيام الذكرى السنوية العاشرة للخروج القسري لمسيحيي الموصل وسائر سهل نينوى، في العراق، تهجيرًا داخليًا أولاً إلى أربيل وسائر كوردستان، ومن ثم إلى الدول المجاورة، وبالأخص إلى الأردن الحبيب ولبنان الشقيق. وهما البلدان اللذان قد استقبلا المهجرين من سورية، قبل ذلك بسنين.

وتحضرني هنا العديد من الذكريات عن عام 2014، ذلك أنني عملت مع كاريتاس الأردن، لاستقبال الوفود تلو الوفود، من مسيحيي الموصل الذين بلمح البصر نزلوا من الحياة الحرة الكريمة، في بلادهم إلى أمكنة وقاعات ومجمعّات وكرافانات. وقد كنت شاهد عيان على العيش الصعب الذين قبلوا به، من جراء تهجير داعش لهم، ولم يفهم أحد إلى اليوم ما الذي حصل وكأنه «حلم ليلة صيف» أو كابوس ثقيل. لكنه ما كان حلمًا أو كابوسًا بل كان حقيقة مؤلمة وضارة على النسيج الوطني العراقي، بل على مسيحيي ومسلمي الشرق معًا الذين عاشوا منذ مئات السنوات معًا، يقاسون ذات المصاعب، و يتخطونها نحو أمل جديد في كل مرة.

لقد كان هذا التهجير المعاصر قاسيًا، وهبطت أعداد المسيحيين في العراق من مليون ونصف إلى مئات قليلة من الآلاف (ولا توجد احصائيات دقيقة)، ما زالت صابرة وتجاهد للحفاظ على العيش المشترك الذي كان مضرب المثل في كل بلاد الشام، وبلاد ما بين النهرين. تخيّلوا أنّنا نتحدث عن القرن الحادي والعشرين، حيث ما زال هنالك من يهجّر شعبًا برمته بناء على انتمائه العرقي أو الديني.

ويقودني هذا الكلام للإشادة بما قام به بلدي الأردن الراقي، الذي بات يسمى وبحق وبجدارة وبامتياز «بلد الاستقبال»، بالرغم مما زاد عليه المصاعب اليوميّة، بسبب عدم المساندة الكافية من دول العالم ومن الأمم المتحدة، للأردن الذي استضاف أفواج المهاجرين واحدًا تلوى الآخر، ومصيبة تلوى الأخرى. لكن الأردن استضاف المهجّرين من الموصل، وقدّم لهم كل ما هو ممكن من غذاء ومشرب وعناية طبيّة ونفسيّة، ومدارس للأطفال، كما قدّم لهم ما حُرموا منه وتهجّروا بسببه، أي الكنائس التي فتحت أبوابها واعتبرت الوافدين جزءًا من الجماعة المسيحية الحيّة والحيوية والتاريخية في الأردن، فتعمّد الأطفال هنا وتزوج الكبار في كنائس الأردن، وصلى الكهنة على الراقدين، بما يليق من كرامة الإنسان والإيمان، وتم تعزيز الكنائس وتقوية تأسيسها، في الأردن، مثل الكنيسة السريانية بشقيها الأرثوذكسي والكاثوليكي، والكنيسة الكلدانية.

بعد عشر سنوات، نقول لقد مضى الكثير من العراقيين من الأردن إلى أماكن استقرار بعيدة، مثل أستراليا وكندا وأمريكا والعديد من الدول الأوروبيّة، وإنّنا نتمنى لهم كل خير وبركة، ولدينا العديد من قنوات التواصل معهم، ولا يترددون دومًا من ترداد صلوات الشكر لله على نعمة الحياة والنجاة، والتقدير للأردن بقيادته الهاشميّة وشعبه الطيّب المضياف، داعين بأن تفتح أبواب الأمل لمن تبقوا في الأردن ولا يزالون ينتظرون حلا ًلحياتهم، ومستقبلاً واضحًا لأطفالهم وشبابهم، فقد بقي العديد منهم في الأردن، ولا يريدون العودة الى بلدهم الأم العراق، ولكنّ دول العالم لم تعد تستقبلهم، وليس لديهم إمكانية العمل في الأردن، لذلك بعد عشر سنوات، نوجه الأنظار نحوهم، طالبين لهم فسحات من الأمل لمستقبل جميل.

العام الماضي، زرت مدينة لورد السياحية الدينية في الجنوب الغربي لفرنسا، وكم قدّرت لهفة احدى العائلات الحاجة لمزار السيدة العذراء هناك، قادمة من استراليا، وحين علمت من السوشال ميديا، انني هناك، جاءت وسلمت علي بحرارة، فقد كانت احدى العائلات المهجرة من الموصل، وسكنت الاردن لسنة ونصف، وحظيت بعد ذلك بالذهاب الى استراليا، وبعد حصولها على الجنسية الجديدة، جاءت الى مزار ديني تشكر الرب على نعمة النجاة. وقال لي رب الأسرة أنّ بلدة وكنيسة ناعور التي كانت مكان الايواء لهم، قد طبعت في نفوسهم صورة راقية ونبيلة عن الأردن العزيز كله، ولن تمحو الايام التقدير والعرفان لمكان وناس مليئين بالطيبة، أحاطوهم بكل مشارع الود، وشجعوهم في أول أيام تهجيرهم العنيف واللانساني.

انّها حقا ذكرى أليمة، وكما نقول في الأردن: «تنذكر ومنا تنعاد» ! ــ الراي

Abouna.org@gmail.com

مواضيع قد تهمك