الأخبار

اسماعيل الشريف يكتب : الضحية والجلاد

اسماعيل الشريف يكتب :  الضحية والجلاد
أخبارنا :  

«من أشد أنواع الظلم أن يلعب الظالم دور الضحية، ويتهم المظلوم بأنه ظالم.»
ديفيد هيلبيرت (عالم رياضيات ألماني)
في حارتنا أيام الطفولة، كما في الحارات كلها في العالم، كان هناك فتى يتنمر علينا دائماً. حتى قررنا أخيراً أن نتحد ونتصدى له. ولكن، بمجرد أن اقتربنا منه، هرب كالسهم إلى والده، الذي ظهر فجأة كفارس مدجج بالسلاح لإنقاذ ابنه «البريء». تحول المتنمر فجأة إلى الضحية المظلومة، بينما صرنا نحن الأشرار المتربصين. وفي لحظة، تلاشت شجاعتنا ووجدنا أنفسنا نركض في جميع الاتجاهات!
ذكرتني هذه القصة بالمشهد السياسي الذي نشهده هذه الأيام، حيث تتشابه أطرافه مع ما حدث في طفولتي. الصهاينة المتنمرون والمجرمون يستهدفون الشهيد إسماعيل هنية في طهران، فتسعى إيران للانتقام. ولكن، تماماً كما في قصتي، تأتي الولايات المتحدة مسرعة لنجدة المتنمر، الذي يتحول فجأة إلى «الضحية»، بينما يُصور المعتدى عليه على أنه «الجلاد».
في الواقع، هذه الثلاثية تنطبق تماماً على ما جرى في طوفان الأقصى. فالجلاد يحاصر قطاع غزة، ويحول سكانه إلى سجناء في أكبر سجن مفتوح في العالم، ويقطع عنهم كل سبل الحياة، بينما يُدخل لهم بالكاد ما يكفي للبقاء على قيد الحياة. وعندما يثور الضحية على جلاده، يهب العالم بأسره للدفاع عن الجلاد، محولين الضحية إلى جلاد يجب إدانة ثورته، والسعي لإبادته بكل قسوة.
أي ظلم هذا؟
قلب الحقائق هذا لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود آلة إعلامية ضخمة تنشر الأكاذيب بلا هوادة. وأنا أتابع وسائل الإعلام الأجنبية حول الضربة المحتملة من إيران، فأجدها كلها تتحدث بصوت واحد، مصورة المنطقة على حافة الانفجار نتيجة «تصعيد إيران ورغبتها وحلفائها في الاعتداء على الكيان الصهيوني.» لم يذكر أحد منهم أن الرد الإيراني هو في الواقع رد على عمل إرهابي ارتكبته عصابة نتن ياهو، التي استهدفت مفاوضاً إيرانياً على أرض دولة ذات سيادة خلال احتفال رسمي!
ثم تأتي تصريحات الساسة الغربيين لتكمل مشهد قلب الحقائق. يغرد بايدن قائلاً: «لقد تلقينا تقارير عن التهديدات التي تشكلها إيران ووكلاؤها، وعن الجهود الدبلوماسية لتهدئة التوترات الإقليمية، والاستعدادات لدعم ‹إسرائيل› في حال تعرضها لهجوم من جديد. كما ناقشنا الخطوات التي نتخذها للدفاع عن قواتنا والرد على أي هجوم ضد أفرادنا بالطريقة والمكان الذي نختاره.»
وفي السياق نفسه، يغرد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي قائلاً: «إن المزيد من التصعيد في الشرق الأوسط ليس في مصلحة أحد. لقد تحدثت إلى القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني، علي باقري، وحذرت من أن أي هجوم إيراني سيكون له عواقب مدمرة على المنطقة. يجب على إيران والأطراف جميعها أن تخفف هذا التصعيد بشكل عاجل وفوري!»
هذه التصريحات، المحملة بالتحذيرات والتهديدات، تتجاهل تماماً سياق الأحداث الحقيقي. وكأنك تشاهد مباراة ملاكمة حيث يقوم أحد الملاكمين بتوجيه ضربات تحت الحزام على نحو مستمر، بينما يكتفي الحكم بمطالبة الطرفين بتهدئة اللعب، عوضا عن معاقبة الملاكم المخالف.
يزود الغرب الدولة المارقة بالسلاح لتواصل عربدتها، وحينما تقترب لحظة ردعها، يسارعون إلى نجدتها ومعاقبة الضحية. لو لم يأتِ الأب كما آباؤنا ل

ــنجدة ابنه للقناه درساً أصلح حال «حارتنا»! ــ الدستور
أي عالم هذا؟

مواضيع قد تهمك