الأخبار

عبد الكريم سليمان العرجان : السودان.. الصراع المنسي (2-2)

عبد الكريم سليمان العرجان : السودان.. الصراع المنسي (22)
أخبارنا :  

يصعب على أي قوى خارجية أن تؤثر بشكل كبير في الديناميكيات السياسية والأمنية في السودان، إذ تترك هذه القوى بصمات واضحة على المشهد السياسي والأمني، منذ الاستقلال، شهدت السودان صراعات سياسية ومدنية نتيجة للانقسامات العرقية القديمة بين العرب والأفارقة، والتفاوتات الحديثة التي فرضها الاستعمار.

في 15 أبريل/نيسان 2023، اندلعت المعارك في الخرطوم، عاصمة السودان، نتيجة الصراع المتصاعد بين الفصائل الرئيسية للنظام العسكري، مما تسبب في صراع مميت، قاد الجنرال عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، القوات المسلحة السودانية، بينما قاد الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، قوات الدعم السريع الشبه عسكرية.

تاريخ عدم الاستقرار في السودان أدى إلى اقتصادات هشة، مؤسسات ضعيفة، وانقسامات اجتماعية عميقة، كانت النتيجة لسنوات من الحكم الاستبدادي والحروب الأهلية، حيث تآكلت الثقة بين الحكومة والمواطنين، وتسببت في أزمات إنسانية وانعدام أمن مستمر، مع اتهامات لقوات مسلحة مثل الدعم السريع بانتهاك حقوق الإنسان وتفاقم التوترات القائمة.

الاشتباكات الحالية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، المعروفة أصلاً باسم الجنجويد، ناتجة عن الاضطرابات السياسية والصراع الذي طال أمده في السودان، بعد أشهر من الاحتجاجات التي أدت إلى خروج عمر البشير عام 2019، استمرت التوترات بين الفصائل العسكرية والمدنية للحكومة الانتقالية، توقف اتفاق تقاسم السلطة بين الجهات العسكرية والمدنية، الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير لتحقيق الانتقال إلى حكومة ديمقراطية، بسبب انقلاب عسكري في أكتوبر/تشرين الأول 2021، السبب الرئيسي للتوتر كان مطالبة المدنيين بالإشراف على الحكومة العسكرية ودمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية النظامية، كانت هناك علامات إنذار مبكر قبل بداية الصراع الحالي، حذر بعض الدبلوماسيين في الخرطوم في أوائل عام 2022 من اندلاع أعمال عنف عندما تعثرت جهود الانتقال إلى حكومة ديمقراطية بقيادة مدنية بعد سقوط حكومة البشير.

تأسست قوات الدعم السريع على يد الحاكم السابق عمر البشير كميليشيا لمكافحة التمرد في منطقة دارفور، الذي بدأ قبل أكثر من 20 عامًا بسبب التهميش السياسي والاقتصادي للسكان المحليين، كانت قوات الدعم السريع تُعرف في البداية باسم الجنجويد وسرعان ما أصبحت مرادفة للفظائع واسعة النطاق، في عام 2013، حوّل البشير المجموعة إلى قوة شبه عسكرية منظمة ومنح قادتها رتبًا عسكرية قبل نشرهم لسحق تمرد جديد في جنوب دارفور.

أصبح حميدتي قائد قوات الدعم السريع أحد أغنى الرجال في السودان بعد سيطرته على مناجم الذهب بمباركة حكومة البشير، قبل عام 2019، استعان البشير بقوات الدعم السريع لحمايته من الانقلابات ومحاولات الاغتيال، ومع ذلك، شاركت قوات الدعم السريع في نهاية المطاف في انقلاب عام 2019 للإطاحة بالبشير وعملت جنبًا إلى جنب مع القوات المسلحة السودانية لتشكيل حكومة انتقالية ودستور جديد، قاد البرهان مجلس السيادة الانتقالي وكان حميدتي نائبًا له، ضم المجلس أيضًا قادة عسكريين آخرين وعددًا من المدنيين.

كانت دارفور، تلك المنطقة الشاسعة القاحلة الواقعة في غرب وجنوب غرب السودان، التي يقطنها نحو 9 ملايين نسمة، في قلب الصراع الدائر إلى حد كبير لأنها تظل معقلاً لزعيم قوات الدعم السريع حميدتي، ينحدر العديد من المجندين في قوات الدعم السريع من المنطقة ومن قبيلة الرزيقات التي ينتمي إليها حميدتي.

تضخيم التوترات في السودان ناتج عن الأبعاد الجيوسياسية الرئيسية المؤثرة التي تشمل تدخلات دولية وإقليمية عميقة، روسيا، التي سعت منذ فترة طويلة إلى إقامة قاعدة بحرية على البحر الأحمر، قدمت دعمًا عسكريًا وماديًا للفصائل العسكرية في السودان، مستخدمة نفوذها لتعزيز مصالحها الاستراتيجية. الولايات المتحدة، من جهة أخرى، تراقب عن كثب التوسع الروسي، حيث تعتبر السودان نقطة استراتيجية في منطقة القرن الإفريقي، القوى الإقليمية تتنافس أيضًا على النفوذ في السودان، كل منها بدعم الفصيل الذي يخدم مصالحها، بعض القوى الإقليمية تعتمد على استقرار السودان لأسباب استراتيجية تتعلق بالأمن المائي ومواجهة التوسع الإيراني، بالإضافة إلى ذلك، تشكل إيران تهديدًا إضافيًا بتقديمها الدعم لفصائل معينة في السودان في محاولة لتعزيز نفوذها، الضغوطات الدولية تتصاعد، حيث تحاول القوى الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا دعم عملية الانتقال إلى حكومة مدنية عبر مبادرات دبلوماسية ومساعدات إنسانية، هذه الجهود تتقاطع مع مصالح القوى الإقليمية التي تسعى إلى الحفاظ على الوضع الراهن أو تغييره لصالحها، في الوقت نفسه، تعاني البلاد من التدخلات الخارجية التي تغذي الصراع الداخلي وتزيد من تعقيده.

الصراع الدائر يعكس حربًا بالوكالة بين القوى العالمية والإقليمية، حيث تدعم كل جهة الفصيل الذي يخدم مصالحها الاستراتيجية، يسعى المجتمع الدولي إلى دعم عملية الانتقال نحو حكم مدني في السودان، ومع ذلك، تظل التحديات كبيرة في تحقيق توافق فعال بين القوى العسكرية والمدنية، الخطر الكبير للسلام الوطني والاستقرار المجتمعي يتزايد، خاصة مع تزايد طموحات قوات الدعم السريع في الحفاظ على نفوذها باستخدام القمع العنيف، يعمل المجتمع الدولي والإقليمي على دعم عملية الانتقال إلى حكم مدني، لكن التحدي الرئيسي يكمن في تحقيق تفاهم حقيقي ومستدام بين السلطات العسكرية والمدنية، لتجنب انزلاق البلاد إلى المزيد من الفوضى والدمار. ــ الراي

مواضيع قد تهمك