الأخبار

د . صلاح جرار : انتفاضة الجامعات الأميركية والغربية

د . صلاح جرار : انتفاضة الجامعات الأميركية والغربية
أخبارنا :  

كثيرون منّا لم يكونوا يتوقعون ما نشاهده اليوم من الاحتجاجات المتصاعدة والمتوسّعة في جامعات الولايات المتحدة الأميركية وعدد من الجامعات الأوروبية وجامعات الدول المتحالفة مع أميركا والمؤيّدة للكيان الصهيوني، فالولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في أوروبا وخارجها هم أشدّ وطأة على الفلسطينيين وأكثر دعماً ومؤازرة للكيان الصهيوني وجرائمه، ومن يتابع ما تغدقه الولايات المتحدة على الكيان الصهيوني من الأسلحة والأموال والخبرات والمستشارين والدعم المطلق لا يمكن أن يصدّق أن شرارة الانتفاضة العالمية ضدّ الكيان الصهيوني تنطلق من جامعات الولايات المتحدة نفسها وتنتقل إلى جامعات الدول الأوروبية وجامعات الدول المؤيدة للكيان الصهيوني مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وكندا وغيرها.

غير أنّ هذه الانتفاضات تكشف عن أمورٍ كانت تتستر عليها الإدارات الأميركية والغربية وتحاول إخفاءها إلى الدرجة التي جعلت نتنياهو رئيس وزراء الكيان المحتل يصرّح غير مرّة أن أكثر من تسعين بالمئة من الشعب الأميركي يؤيد ما تقوم به القوات الإسرائيلية في غزة، وإلى درجة أنّ نتنياهو كاد أن ينصّب نفسه ناطقاً رسمياً باسم الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الدرجة التي جعلته يحاول أن يملي على السلطات الأميركية ما يجب عليها أن تفعله لقمع المتظاهرين في الجامعات بصورة بالغة الفجاجة والوقاحة.

ولذلك فإنني أرى أنّ سبب اندلاع هذه الانتفاضات في الجامعات الأميركية ليس فقط للاحتجاج على الجرائم التي يرتكبها الإسرائيليون في غزّة والضفة الغربية بل إنّ من الأسباب وراء هذه الانتفاضات أيضاً تمادي الكيان الصهيوني في ازدرائه للولايات المتحدة الأميركية وتطاوله على رئيسها ومسؤوليها الذين يرضون بذلك مستسلمين لكلّ ما يمليه اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ودول الغرب عليهم، واستمرار هذا اللوبي ومن ورائه قادة الكيان الصهيوني في فلسطين في محاولات ابتزاز الدول جميعاً بوسائل وذرائع كثيرة ومزعومة ومتجدّدة.

لقد أحسّ طلبة الجامعات الأميركية والجامعات الغربية وأساتذتها، وهم الممثلون الحقيقيون لعقل الأمّة في بلدانهم، بالإهانة لأمتهم وعقولهم، من جرّاء الأكاذيب والمزاعم والذرائع وصور الابتزاز التي يستخدمها الكيان الصهيوني ضدّ بلدانهم، وهو ما عبّر عنه السيناتور الأميركي بيرني ساندرز وهو يخاطب رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو الذي يتمترس دائماً خلف تهمة معاداة السامية لكل من ينتقد الكيان الصهيوني وجرائمه وهي التهمة التي رمى بها في وجه الطلبة المنتفضين في الجامعات الأمريكيةـ، فردّ عليه السيناتور ساندرز: كفاك إهانة للعقل الأمريكي.

وربّما يتساءل أيّ متابع لهذه الانتفاضات: لو لم تكن الولايات المتحدة والدول المتواطئة معها متورّطة حتى أذنيها في حرب الإبادة ضدّ أهالي غزّة، هل كان طلبة جامعاتها ينتفضون ضدّ هذه الجرائم؟ ولو لم يكن الكيان الصهيوني مستفيداً من هذا الدعم الأميركي والغربي في حربه ضدّ الفلسطينيين هل كان أصدقاء هذا الكيان في أمريكا يحرّضون بعض الطلبة على تنظيم احتجاجات مضادّة للاحتجاجات المؤيدة لفلسطين؟.

إنّ انتفاضة الجامعات الأميركية والغربية ضدّ الصهاينة هي بداية انتفاضة العقل الغربي ضدّ الهيمنة الصهيونية، وهي دليلٌ على أنّ هذا العقل قد بدأ يضيق ذرعاً بما يمارسة الصهاينة ضدّ الدول الغربية من ابتزاز سياسي وعسكري ومالي وازدراء لرموزه وقدراته.

إلاّ أنّه مع ذلك لا يجوز لنا نحن العرب أن نراهن على تفكّك هذه العلاقات التاريخية بين الغرب والصهيونية، بل إنّ علينا أن نؤسس لمشروعنا النهضوي الحضاري الذي سيكون هو وحده الكفيل بتحقيق حرّيتنا واستقلالنا ومستقبلنا، لأنّ تقاعسنا أو استمرارنا في التقاعس في الدفاع عن حقوقنا أملاً في أن يجلب لنا غيرنا النصر على الصهاينة سوف يجعل هؤلاء الأصدقاء والمؤيدين لنا ينفضّون عنّا إلى غير رجعة. ــ الراي

Salahjarrar@hotmail.com

مواضيع قد تهمك