الأخبار

بشار جرار : فرصة واحدة تكفي!

بشار جرار : فرصة واحدة تكفي!
أخبارنا :  

كم مرت علينا -خاصة أجيال ما قبل الألفية الثانية- أيام يعلم الله طولها وثقلها وما جرّته من بعدها من ظلال غير وارفة. هي أيام في سوادها وسرياليتها ما يقال في شخوصها أو أحداثها: شرّ البلية ما يضحك.

ولأن شعبنا -والبعض يرى أمتنا وحتى منطقتنا كلها- غالبيته الساحقة طيبة، ربّانا الكبار على المغفرة، على العفو الجميل والصفح الأجمل. فكلما أخطأ بحقنا أو بحق قضيتنا وأولوياتنا شخص أو جهة، هرول أهل النخوة والشهامة والمروءة متسابقين في فزعة لإقالة العثرة، مقدّمين مبررين بأن «لكل جواد كبوة». وتتوالى عبر السنين الطوال، أمثال أخرى على شاكلتها، حتى بلغ بنا الحال الهتاف في مسيّرات تنسيقيات الربيع العربي المشؤوم المذموم، أو قبله ببضع سنين كأيام «ثورة الأرز» فيما كان يوما «سويسرا الشرق»: أعطوه فرصة ثانية!

يتحول الاعتذاريون والدفاعيون في سجالهم إلى متبارين باستبسال صداً عن حارس المرمى الغافي، أو مراقب الخط الساهي، أو قلب الهجوم العاثر الحائر! فردا فردا، حتى يحاروا في الدفاع عن كابتن البندول (كما في بندول ساعة الحائط الرقّاص) يجيء تارة يمينا ويذهب تارة يسارا، حتى تضجّ مدرّجات الملعب ومنصات المشاهدين عن بعد، تضجّ من المباراة والدوري واللعبة وتسأم وتعوف الرياضة كلها!

ما لبعض القوم لا يفقهون قواعد اللعب والاشتباك الخاصة والمراقصة (المراوغة) والاختراق والتسديد والتهديف بالرياضة وميادين أخرى أكثر جدية وخطورة في تأثيرها على كرامات الناس وحرمات الأوطان؟ بعيدا عن أي إفصاح قد يثير حفيظة البعض، أتوجّه من على هذا المنبر الكريم -الدستور الغراء حيث بداية المشوار «الحق يعلو»- أتوجّه إلى أولئك الذين يورطون أنفسهم وجمهورهم وما هو أبعد من ذلك، يورطون الجميع ودونما استشارة أو استمزاج أو استئذان، بنسخ تكاد تكون متكررة في تطابقها من «مشاريع» ثبُت مرة تلو الأخرى أنها، اعتباطية عبثية عدمية «بالثلاثة»!

لفت انتباهي قبل أيام استبيان طرحته قناة مهمة تستفتي الجمهور -في معرض ترويجها لندوة حوارية- عن شخصية إن كانت مقاومة أو مغامرة؟! بعيدا عن الشخص مثار الحديث والقضية محل البحث والمضيفين والمستضافين الكرام، ثمة سؤال يطرحه السؤال نفسه: هل تحتمل الأوضاع -المستمرة في تراجعها منذ زهاء القرن- تجريب المجرّب؟ صحيح أن للأمر وجهين: النهج ومن يطبقه أو يقود الجماعة التي تزعم تطبيقه. لكن، عندما تكون العواقب أخطر من مجرد خسائر بشرية ومادية كارثية بكل المعايير، عندما تكون حرب السابع من أكتوبر -فيما سبقها وما جرى يومها ومازال يجري حتى الآن أكبر من النكسة والنكبة مجتمعتين فلسطينيا وعربيا -خاصة «دول الطوق» وما تبقى من الدول العربية الوازنة التي سلمت من شياطين «الفوضى الخلاقة» وأبالسة «الربيع العربي» ومن قبل فصائل وأحزاب الحرب الباردة، عندما تكون نتائج المشاريع على هذا النحو المدمّر، فإن الحال يدعو إلى الكف عن إعطاء مزيد من الفرص. وإن أذن القراء الكرام، ما عادت قصة الجناحين العسكري والسياسي، قابلة للاستنساخ لمنحها فرصة ثانية، فالحديث هنا ليس عن الجيش الجمهوري الإيرلندي ولا عن الشين فين!

وللقنوات التي تروج لما يؤذي الجار فقط، حبذا لو كفوا عن التنظير والتحريض، فما زلت أذكر جواب مدير تنفيذي كبير في هيئة الإذاعة البريطانية، عندما تساءلت في العقد الأخير من القرن الماضي عن سبب حجب صوت المتحدث باسم قائد الشين فين جيري (جيرارد) آدمز عن نشرات وبرامج بي بي سي، و»دبلجة» صوته بقارئ من كادر القناة العريقة، فكان الجواب أن صوت آدمز ونبرته وأداءه قد يستهوي فيضلل بعض الجماهير، مما يروج لأعمال الجيش الجمهوري الإيرلندي «آي آر إيه» والتي كانت بالمناسبة -رغم تصنيفها منظمة إرهابية- كانت تنذر الشرطة البريطانية والجمهور مسبقا وبوقت كاف حتى لا يقع ضحايا -حتى في صفوف الشرطة- عند تفجيرهم مبنى أو سيارة.

بعض الاتجاهات والتنظيمات والزعامات، تكفيهم فرصة واحدة وليتهم لم يتلقوا «الإذن» بها.. في كثير مما جرى ويجري الكثير من التواطؤ وربما ما هو أشدّ. ولمن يمنحه الله العمر والذاكرة، سيقرأ ذلك يوما ما في وثائق ترفع عنها السرية لا أبحاثا تجري على هوى المموّلين، أو في برامج ما يطلبه الممولون والمتفرجون!!ــ الدستور

مواضيع قد تهمك