الأخبار

عمر عليمات : الأردن ومرحلة «الغربلة»

عمر عليمات : الأردن ومرحلة «الغربلة»
أخبارنا :  

ثمة سرديات رئيسية تشهدها الساحة الأردنية منذ بدء حرب الوحشية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة، وما يثير الاهتمام وجود تبنٍّ متناقض لهذه السرديات، إذ إن هناك تيارات وأفرادا يتبنون السردية ونقيضها، بشكل أقرب إلى استراتيجية التناقضات لتحقيق أهداف سياسية معينة في ظل الظروف الراهنة.

السردية الأولى، تتمثل في مطالبة الأردن بتبني مواقف قد تحرق الأخضر واليابس، والذهاب إلى المجهول، وهذه السردية قائمة على فكرة أن ما يجري في غزة يتطلب إجراءات تصعيدية حادة على رأسها إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل وفتح الحدود، والوقوف الكامل إلى جانب حماس باعتبارها ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني.

السردية الثانية، تتعلق بالتركيز على المشاكل التنموية الداخلية، وخاصة المرتبطة بسوق العمل والبطالة وحجم الديون المترتبة على الأردن جراء الاقتراض المتكرر من المؤسسات الدولية، وهذه السردية ترى بأن الحكومة غير قادرة على التعامل مع العوامل الجيوسياسية لتجنيب الأردن ارتدادات الحرب في غزة، أو خلق أسواق جديدة للصادرات الوطنية، وفتح فرص العمل للأردنيين في الخارج واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، عبر استغلال علاقات الأردن مع الإقليم والعالم.

السردية الثالثة، تتعلق بتضخيم الانقسام المجتمعي بين داعمي السلطة الفلسطينية وحركة حماس، وبين الأردنيين بناء على الأصول والمنابت، عبر إغراق وسائل التواصل الاجتماعي بمعلومات ونظريات التخوين، وفرز الناس بناء على مواقفهم وقناعاتهم إزاء ما يجري في غزة.

أن يُطلب من الأردن حرق كل المراكب والذهاب إلى أبعد مدى في التصعيد، وإعلان مواقف أشبه بالحرب ضد المعسكر الغربي الداعم لإسرائيل بشكل كامل، والنأي بالنفس عن الدول الإقليمية التي لا تقف بشكل واضح مع حماس، وفي ذات الوقت الحديث عن التنمية والاقتصاد واستغلال العلاقات للتخفيف من الارتدادات الاقتصادية على الأردن، إلى جانب الحديث عن موقف شعبي جامع متماهٍ مع موقف حماس في غزة، وفي ذات الوقت تضخيم الانقسام والفرز المجتمعي، كل ذلك يحمل في ثنياه تناقضا لا يمكن التعامل معه بحسُن نية.

تناقض السرديات التي تصدر عن ذات الجهات والأفراد محاولة لضرب الدولة الأردنية عبر ثلاثة مسارات، الأول استغلال عاطفة الناس واندفاعهم نتيجة الوحشية الإسرائيلية في غزة، وإظهار الدولة بموقف الضعف والتخاذل تجاه قضية فلسطين وشعبها، والثاني تعميق أزمة الثقة بين الحكومات والشارع، وإظهار الحكومة بمظهر العاجز عن التصدي للتحديات المعيشية والتنموية للمجتمع، أما المسار الثالث، فهو ضرب النسيج الاجتماعي وتقسيم المجتمع وخاصة المكون الفلسطيني سواء ممن يتبنون موقف السلطة أو موقف حماس.

كل ذلك يقودنا إلى أن الساحة الأردنية باتت مستهدفة، باعتبار أن اللحظة مواتية لاستغلال ما يجري في غزة لتمرير أجندات وخلق قواعد شعبية مؤيدة أو على الأقل متعاطفة مع هذه الأجندات، وهنا لا نتحدث فقط عن تيارات سياسية أو أفراد من داخل الأردن فقط، بل هناك جهات خارجية وجدت في الظروف الراهنة الفرصة للتغلغل في المجتمع الأردني، وهذه الجهات منها ما هو واضح العداء ومنها مَن يرتدي عباءة الصديق والشقيق.

الأردن اليوم في عين العاصفة، وهناك مَن يعمل على خلق واقع جديد أو التأسيس لمرحلة ينفذ من خلالها لتحقيق طموحات وتنفيذ أجندات معروفة ومعلومة، وهذا ما يتطلب التركيز بشكل أكبر على الساحة الداخلية، وغربلة كل من يختبئ خلف شعارات دعم المقاومة من أجل مآرب وأهداف لا علاقة لها بغزة وحربها، والحديث هنا عمن يستغل الظروف ويعود لمحاولته السابقة، أما غزة وشعبها فالجميع معها وهذا ليس محل نقاش وخلاف. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك