الأخبار

بشار جرار : بعض الصمت بوح

بشار جرار : بعض الصمت بوح
أخبارنا :  

في المناسبات الاحتفالية السنوية -ومنها اليوم العالمي لحرية الصحافة- يحرص من وقع عليهم الاختيار، على اختيار ما يكرّسون له يوما من قضايا. وقد تَقرر هذا العام أن تكون التحديات التي تشغل بال صحافيي العالم، هي البيئية متقدمة على غيرها!

القضايا البيئية فقط هي التي تقض مضاجع الناس! والتوعية الصحافية المنشودة تنحصر في الجانب المتعلق من قضايا البيئة الخاصة بتغيرات الطقس والمناخ، بما يعزز سردية واحدة متفق عليها سلفا، مفادها أن عالمنا في خطر متزايد ما لم ندرك مخاطر ما يحيق بالبشرية من تهديدات وجودية تتعلق بما يسمى أثر سيرنا -»فُت برِنت»- على هذه الأرض الهشة، في هذه القرية العالمية، الآخذة في الانكماش.

تشرّفت الجمعة بإلقاء كلمة بهذه المناسبة في إطار برنامج أشارك به منذ بضع سنوات اسمه برنامج: المتحدث الأمريكي، وهي صفة لا تعني أي وضع رسمي -مباشر أو غير مباشر، من قريب أو من بعيد- في قسم الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية الأمريكية.

ليس المقام مقام مقال حول الكلمة ولا حتى البرنامج فلذلك منصاته ومنها الخاصة بالخارجية الأمريكية برنامج المتحدث -العمومي أو الأهلي-المستضاف بحسب تخصصه وخبراته من سائر أنحاء الولايات المتحدة -الخمسين- ومن الاختصاصات كافة التي من شأنها خدمة البلاد التي تقيم واشنطن معها علاقات دبلوماسية، بصرف النظر عن الود أو الجفاء.

من نافلة القول، أن ذلك -كونه بتمويل من المواطن الأمريكي (دافع الضرائب)- ينبغي أن يكون في إطار القيم والمصالح الأمريكية -غير الحزبية- الوطنية، والوطنية فقط.. عليه يتم التأكيد، أن المتحدث في تلك البرامج لا يمثل الحكومة الأمريكية ولا أي جهة في الدولة، عامة كانت أم خاصة. من باب اللياقة، لا يمثل حتى نفسه في أي صفة غير الصفة المهنية الصرفة. لا مكان للعقائد الدينية ولا السياسية ولا الحزبية قطعا، فيما يتم طرحه من حقائق ومعلومات وأفكار وآراء.

لم يغب عن بالي، على مدى سنوات من تشرفي بالخدمة في هذا الميدان الحساس وهذا البرنامج المميز، بعض المتحدثين في كثير من الدول وعلى اختلاف الحكومات والتخصصات، كيف يتحدثون وكأنهم الناطقون الحصريون باسم الحقيقة، لا بل والحق وحده!!

قد أتفهّم ذلك وأعذر إن كان من يقع في هذه الخطأ الكارثي، طبيب مثلا لا يشق له غبار في اختصاصه النادر أو الجديد، لكني أحار في حال المتحدثين السياسيين والإعلاميين بمن فيهم المعلّقون والمحللون الذين تتلاشى في تصريحاتهم الحدود بين العام والخاص، بين ما هو جوهر الموضوع، وما هو المهمة أو الأجندة وكأن الهواء (البث) أقل خطورة من الإبحار في بحر لجيّ متلاطم الأمواج في ليالٍ حالكات كسواد الموت..

في جلسة استجواب علنية تتعلق بتسمية رئيس البلاد لأهم المناصب العليا، في مجلس الشيوخ الأمريكي -قبل ثلاث سنوات- أخذت العضوة المخضرمة الراحلة عن الحزب الديموقراطي السناتورة دَيان فاينشتاين على مرشحة الرئيس الأسبق دونالد ترامب القاضية آمي كوني باريت لعضوية المحكمة العليا -أعلى جهة قضائية في البلاد- أن «صوت اعتقادها» كمسيحية كاثوليكية «عالٍ وقويّ» (لاود آند كْليير)- في كل ما يصدر عنها من تصريحات، وأن هذا الأمر يثير مخاوفها من أن يتأثر قرارها كقاضية بإيمانها الديني (كمسيحية كاثوليكية) والحزبي (كمحافِظة)، وبالتالي التأثير مثلا على تصويتها -وهي من الأغلبية الجمهورية والمحافظة في عضوية المحكمة المكونة من تسعة أعضاء- تأثيرها على قرارات كالإجهاض مثلا.

المنبر الإعلامي أمانة ومسؤولية قد تقل قليلا عن المرتبة الدينية والوطنية لكنه في زماننا يفوقه خطورة -إن لم يكن مهنيا- في القدرة على التأثير الآني والمستدام، سيما إن صار المنبر «سداحا مداحا» في زمن وسائل «التناحر» الاجتماعي.. ليت «عريف الحفل» أو مدير الحوار في كل مناسبة يذكّر المتحدثين دائما بأن الموضوع المراد طرحه للتواصل الإعلامي هو ما تمت دعوة الحضور لأجله فقط، وفقط لا غير! فبعض المتحدثين أو الناطقين يؤذي نفسه وقضيته ومن يمثله بحسن أو سوء نية لا قدّر الله. ونلوذ بالصمت أحيانا، محبة واحتراما، دائما وأبدا.. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك