الأخبار

سامح المحاريق يكتب: اقتصاد الدولار واقتصاد الدينار وما بينهما..!

سامح المحاريق يكتب:  اقتصاد الدولار واقتصاد الدينار وما بينهما..!
أخبارنا :  

هل توجد مشكلة تتعلق بالدينار الأردني؟ كثيرًا ما أتلقى هذا التساؤل، وكثيرًا ما أستغرب منه، وربما كنت قبل سنوات أرى أن الأمر ممكن، إلا أن التجربة والمتابعة أوصلتني إلى مرحلة وجود قناعة أنه على الرغم من التلازم بين الدينار الأردني والدولار الأمريكي في سعر الصرف لعقود من الزمن، إلا أنه يوجد اقتصاديان منفصلان للعملتين في الأردن، وأن المسافة بينهما مضبوطة بعناية كبيرة.

ما الذي يمكن أن يفصم عرى هذا التلازم؟ لآليات العرض والطلب الكلمة العليا في تحديد سعر العملة، ولا تظهر أي مشكلة في توفير الدولار سواء من خلال الاحتياطيات المتوافرة في البنك المركزي الأردني والمستقرة عند مستويات صحية منذ فترة طويلة، ووجود التدفقات الدولارية ضمن المعدلات التي تخدم الاستهلاك الخارجي للأردن، ومنها تحويلات الأردنيين العاملين بالخارج والتي تزيد عن ثلاثة مليارات دولار، أي ما يمثل تقريبًا نصف الفجوة بين الواردات والصادرات في الأردن، وبما يعني أن الدولار متوفر لدى طلبه وللغايات التي تتناسب مع حجم السوق الأردني.

بطبيعة الحال، الحالة المستقرة لا تعني بالضرورة نموذجًا صحيًا، هي مستقرة لوجود آليات تعمل على المحافظة على وضعها الراهن الذي ينتج عن حقيقة بسيطة مفادها أن الأردنيين يستهلكون أكثر مما ينتجون، وعليهم أن يتحملوا بصورة متواصلة تكلفة ذلك في المالية العامة ومؤشراتها، وفي مفارقة عجيبة، ربما يكون تراجع الطبقة الوسطى عاملًا يضيف هامشًا من الأمان يحول وانفلات أوضاع الاستهلاك تجاه توسيع الفجوة القائمة، ولكن مع تكلفة المعيشة الحالية ومستويات الدخول لا يبدو ذلك ممكنًا.

الشعور بالأزمة يتفاقم بسبب اقتصاد الدينار نفسه، أي المعاملات الاقتصادية التي تجري داخل الأردن بالعملة الوطنية، وهي التي تشهد تراجعًا ملحوظًا وعزوفًا واسعًا عن الإنفاق، وسعيًا للمحافظة على السيولة النقدية، أو البحث عن استثمارات شخصية تسحب السيولة من السوق مثل شراء الذهب وهو الأصل الذي يتعرض لحالة مبالغة في القيمة نتيجة إقبال الصينيين على اقتنائه لمواجهة أزمة محتملة، وقد تكون وشيكة، وهي أزمة ستكون بعيدة عن السوق الأردني كما كانت الأزمة المالية العالمية 2008، والتي وإن كانت أثرت على معدلات النمو إلا أنها لم تتسبب بخسائر جسيمة داخل الأردن.

تشجيع ضخ السيولة في السوق، والذي مارسته مؤسسة الضمان الاجتماعي مع صرف مستحقات بدل التعطل، والبنوك مع تأجيلات الأقساط، لم يرتق ليصبح حلًا مستدامًا خاصةً مع ارتفاع أسعار الفوائد الذي أتى استجابة لآليات العرض والطلب على الدينار الأردني، ولكنه أدى إلى ارتفاع تكلفة خدمة الدين للأفراد وتوجيه السيولة للسوق، أما المدخرين فوجدوا الودائع ملاذا لأموالهم وأصبحت المخاطرة غير ذات جاذبية، ويبقى المنتجون والمستثمرون الذين يحجمون عن الاقتراض.

من يمكنه التضحية في هذه المرحلة؟ هل يمكن إقناع المواطنين بالإنفاق وضخ السيولة في السوق؟ هذا هو الحل الأفضل، ولكنه حل غير واقعي، لأن الأزمة الاقتصادية تحدث بتراكم القرارات الأنانية والرهانات الشخصية، وهذه طبيعة إنسانية، وفي الحالات المشابهة يتوجب على الحكومة أن تقدم التضحيات، لأن ذلك هو دورها وفلسفتها، وحتى في الاقتصادات الحرة تتدخل الحكومات في وقت الأزمة بقرارات يمكن أن تكون مكلفة في المدى القصير.

هل يمكن أن تزيد الحكومة الإنفاق، أو لنعكس السؤال، هل يمكن أن تتخلى الحكومة عن الإيرادات، واقع المالية العامة يأتي بإجابة تتمثل في النفي القاطع، ولكن ما لا يمكن أن يحضر نفيًا هو قدرة الحكومة على الاستثمار، ولنقل في قطاع الإسكان من خلال خطة معاصرة وحديثة تقوم على استقدام خبرات التطوير العقاري، وبحيث تتمكن الحكومة من خدمة المواطنين على أساس تخصيص الأراضي، وفي هذه الحالة تدبر الحكومة إيرادات إضافية يمكن من خلالها أن تعمل على الإنفاق المدروس، وتبقى مشكلة أراضي الخزينة المحدودة في داخل عمان وجوارها، بما يدفع للتساؤل عن المدينة الجديدة وآخر مستجداتها، وهل أصبح الناس يعلمون أين موقعها تحديدًا؟

المطلوب هو مشروع متوازن، بمعنى مدينة معاصرة تتصل مع المدن الأخرى بشبكة طرق ووسائل مواصلات حديثة، وإلا ستصبح القصة مشابهة للمطار الذي يمكنه المنافسة في خدماته ولكن للأسف لا تخدمه شركة طيران تتسم بالكفاءة المطلوبة، وبالتالي، لا يمكن أن يدخل الأردن سوق الترانزيت المزدهر في أكثر من بلد في المنطقة.

من الحلول الأخرى توسعة نطاق السياحة من خلال تخفيض الضريبة على الخدمات السياحية الرئيسية، وبالتالي زيادة عدد السائحين والكتلة البشرية التي ستقوم على خدمتهم، تجاه تنشيط السوق من خلال العوائد المحصلة والتي سيعود بعضها مع الوقت للحكومة من خلال ضريبة المبيعات، خاصةً أن الأردن يستفيد مرحليًا وربما لعقدين قادمين من الزمن من الأوضاع في بعض الدول في المنطقة على مستوى المنافسة على حصة السياحة المحتملة.

الكفاءة في إدارة اقتصاد الدولار في الأردن، وبالتالي، المحافظة على سعر الدينار الأردني وعلى الميزة التي يتيحها ذلك للمواطنين لتغذية نفس المستويات من الاستهلاك لا تقابلها كفاءة في إدارة سوق الدينار الذي يرتبط بظواهر اقتصادية واجتماعية أصبحت تمثل ضغطًا كبيرًا مثل معدلات البطالة، وكل ما تحتاجه الحكومة أن تبحث عن طريق جديد غير المتكدس بالذين يرغبون في صفقة آمنة ويشكلون زحامًا يعيق التقدم للأمام. ــ الراي

مواضيع قد تهمك