الأخبار

د . احمد بطاح : «اللاسامية»: سلاح إسرائيل المُشْرع دائماً

د . احمد بطاح : «اللاسامية»: سلاح إسرائيل المُشْرع دائماً
أخبارنا :  

في تعليقه قبل أيام على تظاهرات الطلبة واعتصاماتهم في بعض الجامعات الأمريكية قال رئيس الوزراء الإسرائيلي «نتنياهو» أنها «أحداث مُروّعة»، وأنها تعبير عن «اللاسامية» (Anti-Semitism)، والواقع أن جميع منتقدي إسرائيل من سياسيين، ومؤرخين، ومفكرين، وصحفيين عُرضة للاتهام «باللاسامية»، فهي السيف المُشْرع بيد إسرائيل وتستخدمه بدون أدنى تردّد ليس فقط ضد أعدائها، بل ضد كل من تُسوّل له نفسه انتقاد بعض سياساتها!

إنّ هذه السياسة الإسرائيلية تجعلنا نبحث في أصل «اللاسامية»، وكيف تطورت وبخاصة أن العرب ساميون يرجعون كما يرجع اليهود إلى «سام» بن نوح (عليه السلام)، كما يرجع الأوروبيون إلى «يافث» ابنه الآخر، وكما يرجع الأفارقة إلى ابنه «حام» ابنه الثالث حسب الروايات التاريخية.

إنّ كلمة «اللاسامية» تعني في المصطلح «كراهية اليهود»، أو «مناهضة اليهود»، وتعود تاريخياً إلى الاضطرابات التي شهدتها روسيا القيصرية بين عامي 1881 – 1882، ولكنّها تفاعلت أكثر مع محاكمة الضابط الفرنسي اليهودي «دريفوس» الذي حُكم عليه وجُردّ من رتبته، ويُقال إنّ هذه الحادثة كانت من أهم الأسباب التي أثارت «هرتزل» مؤسس الحركة الصهيونية، وجعلته يتجه إلى التفكير «بوطن» لليهود يحميهم من «اللاسامية» المتمثلة في اضطهادهم وكراهيتهم وبالذات في أوروبا، والواقع أنّ أول من استخدم مصطلح «اللاسامية» هو الصحفي الألماني ويلهم مار (Wilhelm Marr) ثم شاع بعد ذلك على أيدي كثيرين في ألمانيا وغيرها.

ولعلّ الحدث الأكبر الذي أبرز هذا المصطلح إلى الوجود في أوروبا هو استلام الحزب النازي بزعامة «هتلر» لزمام الحكم في ألمانيا (1933-1945) إذْ كان هذا الحزب يؤمن إيماناً راسخاً بأنّ اليهود هم من أهم أسباب هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وأنهم لعبوا دوراً سلبياً أدى إلى انهيار الاقتصاد الألماني، وبالتالي إلى هزيمة ألمانيا، وفرض شروط قاسية عليها من قبل المنتصرين، الأمر الذي أدّى بالحزب النازي إلى فرض قيود على اليهود، وتجميعهم في «أماكن معينة»، وأدّى أخيراً إلى ما سُمّي «بالمحرقة» (Holocaust) للتخلص منهم نهائياً، وغني عن القول أن الصهيونية استغلت ما حدث في ألمانيا، وضخّمته، واعتبرته «لاسامية» يمكن إشهارها كسلاح في وجه كل من يحدّث نفسه بالوقوف في وجه الأهداف الصهيونية، وقد سارت إسرائيل على نفس النهج أيّ اتهام كل من يعارض سياسات إسرائيل بل كل من ينتقدها مجرد انتقاد «باللاسامية» حتى لو كان عربياً يعود إلى أصول «سامية».

والواقع أنه يمكن إعادة بروز نزعة «اللاسامية» إلى عدة عوامل أهمها ما يلي:

أولاً: العامل الديني، حيث اعتبر كثير من المسيحيين الأوروبيين (وبالذات الكاثوليك) اليهود «قَتَلة» للسيد المسيح، ورغم أن الكنيسة الكاثوليكية تراجعت رسمياً عن هذا الاتهام، إلّا أنه ظل راسخاً في وجدان كثير من المسيحيين وبخاصة في أوروبا.

ثانياً: العامل الاقتصادي، حيث دأب اليهود على العيش كأقليات قابلة للانتقال في المجتمعات المختلفة، وبالذات فيما يعرف «بالشتات العام» (أيّ بعد تدمير الهيكل على يد الرومان في عام 70 ميلادية)، ممّا أدّى إلى تركيزهم على ما يمكن نقله وتحديداً المال والعِلم، الأمر الذي تمخض عن نجاحهم في مجالات التجارة، والاقتصاد، والمهن الحرة، وقاد إلى إشغالهم لكثير من المواقع السياسية والاقتصادية الحسّاسة مع ما ترتّب على ذلك من اتهام لهم من قبل أبناء مجتمعاتهم بالبخل، والاستغلال، والحرص على كنز الأموال، ولعلّ رائعة شكسبير «تاجر البندقية» (The Merchant of Venice) هي من أهم الأعمال الأدبية التي عكست هذا العامل بامتياز!

ثالثاً: العامل القومي، حيث نشأت الدولة القومية الأوروبية في أواخر القرن التاسع عشر (بريطانيا للإنجليز، وفرنسا للفرنسيين) الأمر الذي خلق نوعاً من التعصب العرقي (بين شعوب أوروبا التي تعود إلى الأصول الهندو-أوروبية مقابل اليهود الساميين الذين يختلفون عن الآخرين، ويرغبون في قلب نظم المجتمعات بل والسيطرة على العالم)!

رابعاً: العامل الاجتماعي، إذْ كان اليهود في أوروبا يعيشون فيما يُسمى «غيتو» حيث يمارسون عاداتهم وتقاليدهم، ويرفضون الاندماج في مجتمعاتهم الأوروبية المسيحية حفاظاً على تُراثهم كما يقولون، الأمر الذي اعتبره مواطنوهم إعاقة للتقدم الاجتماعي، ومواكبة التطور.

وفي المحصّلة فإنه يمكن استنتاج ما يلي بشأن «اللاسامية":

أولاً: أنها ظاهرة أوروبية في الأساس كما أوضحنا (ظهرت في روسيا، وفرنسا، وألمانيا وغيرها).

ثانياً: إنها لم تُعرف ولم تُصبح ظاهرة في المجتمعات العربية والإسلامية، حيث يعترف الإسلام باليهودية كديانة سماوية، وبالتالي فإنّه لا يوجد سبب يدعو هذه المجتمعات لمعاداة اليهود لكونهم يهوداً بل بسبب إيمانهم بالصهيونية، وأطماعهم الاستعمارية، وممارساتهم الإجرامية.

ثالثاً: إنّ الصهيونية وإسرائيل وظفت ما حدث في أوروبا من «كراهية لليهود» للأسباب والعوامل الموضوعية التي أشرنا إليها آنفاً في سبيل تحقيق أهدافها، وإسكات كل صوت ينتقد السياسات الإسرائيلية، ويدعو إلى مقاومتها وإلى درجة أنّ تهمة «اللاسامية» أصبحت جاهزة، بل وسلاح مُشْرع تستله الصهيونية وإسرائيل في وجه كل من يقف في وجههما.

وأخيراً، فما الذي يمكن عمله إزاء هذه «الفزاعة» الصهيونية الإسرائيلية (أيّ اللاسامية)؟ إن ما يمكن عمله بالطبع هو تحدي هذه «الفزاعة»، وتعريتها، وكشف زيفها ايماناً بمقولة الفيلسوف فولتير (أنت تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، وتستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت). ــ الراي


مواضيع قد تهمك