الأخبار

د . محمد مصطفى عبادات : من المسؤول عن تهديد البترا بإزالتها من قائمة التراث العالمي؟

د . محمد مصطفى عبادات : من المسؤول عن تهديد البترا بإزالتها من قائمة التراث العالمي؟
أخبارنا :  

هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها البتراء كموقع أثري من مواقع التراث العالمي للتهديد من إزالتها من قائمة مواقع التراث العالمي، والسؤال الملح، على من تقع كل هذه المسؤولية سواء القانونية او الأخلاقية والوطنية ؟

منذ عام 1985 أدرجت مدينة البتراء على لائحة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو وفي عام 2007 تم اختيار البتراء كواحدة من عجائب الدنيا السبع الجديدة، وهي الانطلاقة المهمة لمدينة البتراء نحو العالمية على المستوى الخاص بالمدينة من الناحية التاريخية وما عكسه ذلك الامر من اظهار الأردن كوجه سياحية عالمية، وفي عام 2008 أدرجت منظمة اليونسكو التراث الثقافي البدوي في إقليم البتراء ووادي رم ضمن قائمة اليونسكو للتراث الانساني غير المادي ومع كل هذه الإنجازات العالمية والفريده الا انه لغاية الان ومع غاية الأسف ما زالت تدار هذه المدينة العالمية بعقلية تقليدية وجامدة وروتينية الى حد التشاؤم رغم ظهور بعض الاجتهادات والصحوات الموسومية بين الحين والأخر، والشاهد على هذا الترهل الادراي غير المبرر ما تواجهه المدينة من تحديات تكاد توشك بهذا الارث العالمي الى التهديد من الخروج من مواقع التراث العالمي المعتمدة، فقبل ما يقارب من اكثر من 10 سنوات ماضية رصدت منظمة اليونيسكو اكثر من 60 موضع خطأ وتحدي تواجه كافة مواقع التراث الحضاري في المنطقة وكان ابرز هذه التحديات تنظيمية وتشريعية وعمرانية واقتصادية وبيئية ونجحت الحكومة في ذاك الوقت ممثلة بوزارة السياحة والاثار وبالتعاون مع بعض الدول العربية في اقناع المنظمة بعدم اتخاذ قرار بوضع البتراء ضمن المواقع المهددة بالخطر وتمكنت الحكومة الاردنية من الحصول على فرصة ومهله لتصويب هذه الاوضاع حتى عام 2013، طبعا لا ننسى ان هذا الرصد جاء بعد اختيار البتراء كاعجوبة من عجائب الدنيا، وبتاريخ 16-4-2024 صرح رئيس مجلس مفوضي سلطة اقليم البتراء التنموي التهديد الجديد لازالة البتراء من مواقع التراث العالمي نتيجة لعديد المخالفات التي تم رصدها في المدينة، مما يعني ذلك مزيدا من التساؤلات حول تحديد المسؤول عن حماية هذا الارث العالمي والجهة صاحبة الولاية والاختصاص الاداري عن الادارة والتنظيم


وبالرجوع الى الاطار التشريعي والمؤسسي الناظم لادارة سلطة اقليم البتراء والمواقع الاثرية في الاردن فنجد ان وزارة السياحة والاثار هي المظلة الرسمية والمرجع المؤسسي القانوني الواجب على عاتقها المحافظة على المواقع السياحية وتطويرها واستثمارها بصورة مباشرة وغير مباشرة وذلك بحسب نص المادة 3 من قانون الوزارة وبناء على ذلك ادرجت دائرة الاثار العامة كجزء من الهيكل التنظيمي لوزارة السياحة وتعد دائرة الآثار العامة من الناحية الإدارية من بين دوائر الدولة المستقلة في المملكة الأردنية الهاشمية، فهي تتمتع بموازنة خاصة ويتولى إدارتها مدير عام يرتبط بوزير السياحة والآثار مباشرةً. و في عام 1989 صدر قانون الاثار العامة الذي اناط بها مسؤولية ادارة الاثار والمواقع الاثرية والمحميات الاثرية في المملكة الاردنية الهاشمية والاشراف عليها وحمايتها وفي عام 2009 انشأت سلطة اقليم البترا التنموي السياحي بموجب القانون رقم 15 وتتمتع بشخصية اعتبارية ذات استقلال مالي واداري تهدف الى تنمية الاقليم وتطويره سياحياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً والمساهمة في تنمية المجتمع المحلي ويتولى ادارة السلطة والاشراف على شؤونها مجلس يسمى (مجلس المفوضين) يتألف من خمسة أعضاء بمن فيهم الرئيس ونائبه على أن يكون أحدهم مفوضاً لادراة المحمية ويعينون بقرار من مجلس الوزراء و يقترن تعيينهم بصدور الارادة الملكية السامية

وبموجب قوانين هذه المؤسسات ققد تم منحها جميعا صفة الضابطة العدلية لغايات تنفيذ احكام القانون للمراقبة والتفتيش فضلا عن منح موظفي سلطة اقليم البترا صلاحيات الضابطة العدلية لضبط المخالفات وتحريرها واتخاذ الاجراءات الازمة وازالة اسباب المخالفة حين ضبطها وفقا للماده 6 من نظام ادارة وحماية محمية البتراء الاثرية رقم 82 لسنة 2014.


اما فيما يتعلق بالجانب الردعي والعقوبة المقررة على مخالفة اي من احكام هذه القوانين والانظمة فانها وردت في قانون السياحة على كل من يخالف شروط ممارسة مهنة السياحة دون الحصول على ترخيص مسبق وتتراوح العقوبة بين الحبس ستته اشهر وسنة او بغرامة لاتقل عن 3000 دينار ولا تزيد عن 10000 الاف دينار او بكلتا هاتيين العقوبيتبن، في حين يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين او بغرامة لا تقل عن 500 دينار كل من قام بإلصاق الاعلانات على اي معالم اثرية او وضع لافتات او اي اشياء اخرى فوقها بموجب قانون الاثار العامة، بينما ورد في قانون دائرة الاثار العامة عقوبة الحبس مدة لا تقل عن اسبوع ولا تزيد على ستتة اشهر او بغرامة لا تقل عن 500 دينار ولا تزيد على 10000 دينار على كل من يخالف احكام هذا القانون او الانظمة الصادره بمقتضاه، ومن خلال التدقيق بهذه العقوبات الواردة في تلك القوانين نجد ان جميع العقوبات وردت من نوع العقوبات الجنحوية ولم يفرق اي من القوانين بين جسامة الافعال المرتكبة رغم تفاوتها وتباينها من الناحية الشكلية فضلا عن تعارض وتناقض العقوبة بين قانون الاثار العامة وقانون دائرة الاثار العامة على ذات الفعل المخالف المتمثل بالاضرار بالمعالم الاثرية ، بالاضافة الى ورود بعض من النصوص القانونية التي تنص على حماية الاماكن الاثرية دون ايراد اي عقوبة مفصله وواضحة تتاسب والفعل المرتكب واكتفت القوانين بحالة الحظر فقط دون ايراد العقوبة المناسبه لكل فعل على حسب نوع الجسامة او الضرر او الخطر المترتب عليه علما بان كافة العقوبات الواردة في القوانين المتعلقة بحماية الاثار بالاردن والابنية ذات القيمة التاريخية بما فيها ما ورد في قانون العقوبات جاءت من نوع العقوبة الجنحوية فقط كما اسلفنا سابقا وهي تاتي بحدها الاقصى السجن ثلاث سنوات وهو بالتاكيد ما لا يتناسب وجسامة الفعل المادية والمعنوية والتاريخية على وجه الخصوص.

وبالرجوع الى تصريح رئيس مجلس مفوضي سلطة إقليم البترا التنموي السياحي الصادر في منتصف شهر نيسان 2024 فقد اشار الى وجود مئات المخالفات المضبوطة عدليا في الاعتداء على المواقع الاثرية في الاقليم من قبل الجهات المختصة والمحولة الى القضاء والتي تم الفصل بها مصرحا ان نصف مجموع هذه القضايا غير منفذه ولم يتم ازالة المخالفة ، وهذا التصريح فيه ما فيه من الدلالت الادارية والقانونية فان كانت السلطة هي الجهة الادارية صاحبة الاختصاص في مراقبة وحماية المواقع الاثرية فأين هي هذه الرقابة؟ وفي المقابل اذا لم يلتزم العابثون بقرار المحكمة المختصة فأين هي الجهات الرقابية المسؤولة عن إنفاذ القانون.

هذه التساؤلات تثير الكثير من الثغرات الادارية والرقابية والتشريعية والقانونية التي تواجه الارث الحضاري والتاريخي في الاردن وهي مسالة في غاية الخطورة اذا لم يكن هناك حل جذري وسريع واسترتيجي لهذه المشكلة، ابتداء من توحيد الصلاحيات وازالة تضاربها بين المؤسسات الفاعلة في هذا القطاع ، مرورا بتشديد الرقابة وانفاذ القانون وصولا الى ضرورة الاسراع بتعديل التشريعات الناظمة لحماية المواقع الاثرية في كافة انحاء المملكة وتغليظ وتشديد العقوبات المقررة بما يتناسب والفعل الجرمي المرتكب وهو الذي لابد منه وعلى السرعة الممكنة من جميع السلطات في الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية باعتبار ان هذه المواقع الاثرية التاريخية مرآة الاردن العالمية واكثر المحفزات السياحية ذات الأثر الإيجابي على القطاع السياحي والدخل القومي للإقتصاد الاردني
وللحديث بقية ......

مواضيع قد تهمك