الأخبار

رمزي الغزوي : لمن سنقدم ورودنا هذا اليوم

رمزي الغزوي : لمن سنقدم ورودنا هذا اليوم
أخبارنا :  

حينما كنا نعطل عن المدرسة ابتهاجاً وكسلاً بعيد العمال، كان يدهشنا رجال (الباطون) المعفرون بالرمل، الغارقون في عنائهم وعرقهم ولهاثهم، إذ يتسلقون (السقايل) والجدران، بثيابهم الملطخة وأحذيتهم البلاستيكية المتشققة، وأكتافهم المائلة، تحت وطأة الحمل الثقيل؛ فنستهجن ما نرى. كيف لم يعطل هؤلاء المساكين عن العمل، حتى في عيدهم ويومهم. أليسوا هم العمال؟ ألا يخصهم هذا العيد باستراحة ليوم وحيد من قريب أو بعيد؟
كان الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطو يدّعي بأن العبيد لا تخصهم الأخلاق والآداب والمبادئ والقيم، إذ عليهم أن يقدمون مجهودهم البدني والعضلي لأسيادهم الراتعين في كسلهم وترفهم ورفاهيتهم ونعيمهم، وبموازاة هذا. هل كانت عطلة عيد العمال أيضاً، لا تخص العمال بالراحة، وأخذ نفس. أم أن الرغيف الهارب، واللقمة التي لا تتحصل إلا (بطلوع الروح)، كلها صارت غالية وعزيزة على من لا يأكلون طعامهم، إلا مخضباً بعرق جباههم وانغراسهم تحت سياط الشمس؟.
فكرة عيد العمال بدأت عندما أعلن عمال شيكاغو إضراباً شاملاً في 1886م، مطالبين بتحديد ساعات عملهم بثمانية ساعات فقط، وطامحين بأجور أكثر، ومعاملة احسن، وصدف أن كان بداية إضرابهم في الأول من أيار، ولأن الحركة العمالية قد أتت أكلها وثمارها، فقد صار تاريخ بدايتها عيداً عالمياً لعمال العالم!.
يبدو أن عالم اليوم صار بغيضاً ومقيتاً وجشعاً لحد مثير، فأكثر من نصف ثروات الأرض تتركز في يد عدد قليل من البشر، لا يتجاوزون الخمسمئة إنساناً. إنه بالطبع عالم غابة جديد، عالم متغول، لا يزداد فيه الأغنياء إلا جشعاً ونهما وشرها، والفقراء لا يزدادون إلا سحقاً وتعباً وجوعاً.
في كل عيد عمال نتمنى لو نمنح ورودنا وأزهارنا وبهجة قصائدنا، إلى أناس تركوا ويتركون بصمات ناصعة واضحة، على كؤوس الحياة، أو كانت لهم أيادٍ خضراء على معاول العمل والبناء والنماء والازدهار. فلمن نهديها هذا اليوم؟
ما زلت أشعر أن ثمة آخرين يطحنون الصخر خبزاً، ويقطرون الملح ماء، وآخرين يجبلون الأرض ويروونها بعرق جباههم المتغضنة، وثمة آخرون يلاحقون ظلهم في وهج الشمس اللافحة، من أجل لقمة عيش عزت: فمن يستحق ورودنا؟
هل هو الأب الذي يستفُّ التراب لأجل أبنائه ورخائهم وتعليمهم؟ أم هي الأم الحانية الحادبة التي تغضن شبابها لطول السهر على رعايتهم؟ أم المعلم الذي أكلت الطباشير نضارة أصابعه، وأحنت قامته، وما انحنت همته؟ ربما لكل هؤلاء سنقدم ورودنا ومحبتنا وتقديرنا في هذا العيد. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك