الأخبار

نشميات «غزة/ 2» : جسّدنا موقف الأردن

نشميات «غزة 2» : جسّدنا موقف الأردن
أخبارنا :  

نيفين عبدالهادي

العطاء الأردني لا يقف عند حدّ أو جهد دعما وسندا للأهل في غزة.. دعم حقيقي تجسدّه الأفعال على أرض الواقع، يدا بيد إناثا وذكورا، غير آبهين بأي ظروف أو خطورة أو تحديات، يضعون أمام أعينهم وقلوبهم نُصرة الغزيين في سعي حقيقي لتقديم كل ما من شأنه مدّ يد العون والمساعدة، والسند لهم، باستثنائية نادرة وعميقة.
منذ بدء الحرب على أهلنا في غزة، والأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني يسعى إلى تقديم العون الإنساني والإغاثي بكافة الوسائل، وكان الأردن أول دولة تنشئ مستشفى ميدانيا خلال الحرب، بل خلال الفترة الأكثر خطورة من الحرب، فقام بإقامة المستشفى الميداني (2) في منطقة خان يونس، بجهود خارقة من القوات المسلحة - الجيش العربي، وبحضور بات جزءا مهما من حياة الغزيين الذين يؤكدون أن الأردن بلد النشامى «قول وفعل».
وعمل المستشفى الميداني في خان يونس على القيام بدور عظيم، بجهود طبية وصحية وإنسانية وإغاثية سجّلها التاريخ بحروف من نور، قدّم الكثير من العون والسند واستقبل آلاف الحالات، وأنقذ آلاف الأرواح، طبّب جسديا ونفسيا، فتح أبوابه على مدار الساعة بلا إجازات ولا راحة، وبقيت أعين النشامى والنشميات مفتوحة لم تغمض للحظة، بجهود شكّلت حالة نادرة من السند والعون، والعمل بخبرة كبيرة على تقديم العون الصحي لحالات من الجرحى والحروق والمصابين إضافة للخدّج بمهارات عالية وإنسانية حفرت في ذاكرة غزة وأهلها مكانة ذهبية.
تميّز المستشفى الميداني في خان يونس، بوجود (14) نشمية من مرتبات الخدمات الطبية الملكية، شاركن زملاءهن من نشامى التمريض، ليقمن بدور عظيم استثنائي بحرفيّة التفاصيل، لا سيما أنهن قمن بواجبهن في أكثر فترات الحرب على الأهل في غزة كثافة وخطورة، فكنّ على قدر أهل العزم تنفيذا لتوجيهات جلالة الملك بتقديم العون والسند للأهل في غزة بكل ما أوتين من حبّ ووفاء.
14 نشمية من الخدمات الطبية الملكية، كل ممرضة منهن تحكي حكاية عن تجربتها، بأسلوب مختلف وكلمات ووقائع متعددة، فيما تتفق جميعهن على أنها أهم تجاربهن التي قمن بها، وأن ما قمن به علت به الإنسانية والسعي لتقديم كل ما يمكن تقديمه صحيا وطبيا لعون الأهل في غزة، فيما تعد أيام «غزة» محفورة في ذاكرتهن يصعب أن يتفوّق عليها النسيان وتغيب عن الذاكرة وتفاصيل حياتهن.
«الدستور»، التي تسعى لمتابعة الجهود الأردنية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني في تقديم العون والسند لأهلنا في غزة، بقراءات واقعية لهذه الجهود، تجري لقاءات، في سلسلة تنشر تباعا، مع النشميات اللاتي شاركن في مستشفى خان يونس الميداني، لمعرفة تفاصيل مشاركتهن في هذه المهمة، والأدوار الطبية الإنسانية التي قدمنها، وأبرز القصص الإنسانية التي مررن بها، في عملهن الطبي الميداني والإضافة النوعية إلى جانب إخوانهن من الشباب الأطباء والممرضين.
الحديث مع نشميات «ميداني خان يونس» له طابع خاص، بداية يملأ النفس بالفخر أننا نتحدث مع نشمية أردنية من الخدمات الطبية الملكية، وعن تجربة مهمة وثرية وإنسانية وطبية لا تشبه أي عمل طبي إنساني، ينقلن صورة غزة وصمودها بقلوب أردنية تنبض بحبّ فلسطين وغزة، يتحدثن عن قصص عشنها، فيها الحزن والألم، كما فيها مساحو للفرح، لا سيما تلك المتعلقة بجمع طفل بأسرته، أو بسلامة طفل خداج، أو بعلاج حالات صعبة.
كادر عظيم
البداية كانت مع الرائد الممرضة القانونية آلاء عمر البطاينة، الأم لثلاثة أبناء وبنت، حيث قالت «يُطلق علينا ملائكة رحمة، ونحن ندافع عن الإنسانية ونحميها، وبالتالي فإن قراري المشاركة بمهمة ميداني غزة/ 2، جاء بدافع إنساني، فأنا ممرضة خداج، وهذا الجانب صعب أن يعمل به الرجال، فتطوعن، نحن 14 فتاة، من الخدمات الطبية الملكية، بدافع إنساني وبحب كبير، وذهبنا لغزة».
وأضافت الرائد البطاينة «أشكر الخدمات الطبية التي أتاحت لي الفرصة لأكون ضمن كادر عظيم قام بدور صحي وطبي وإنساني مهم جدا. وحقيقة لو تكرر الطلب لكررت تجربتي وعدت إلى غزة. الوضع صعب جدا، لا سيما أننا ذهبنا لغزة في أكثر الفترات حربا، لكني على استعداد تام لتكرار المهمة التي منحتني إيجابيات مهمة».
وأشارت الرائد البطاينة في ما يخص عملها بقسم الخداج إلى أنه لم يقتصر على هذا القسم، وقالت «عملت في قسم الجراحة وكنت أتعامل مع النساء في هذا القسم، وعملت في قسم الخداج والعيادات النسائية، لا سيما أن المستشفى هو كامل متكامل به جميع التخصصات، وأنا كوني حاصلة على تمريض عام، فقد عملت برفقة زميلاتي وزملائي نكمّل بعضنا البعض بكافة الأقسام سعيا لتقديم الأفضل للنساء تحديدا اللاتي بالغالب كن يطلبن التعامل مع سيدات».
وعن أكثر القصص تأثيرا قالت الرائد البطاينة إن «أكثر ما أثر وما يزال بي هو الأطفال الخدج ممن هم دون أهل، وكنا نبحث عن أحد من عائلاتهم الذين استشهدوا بالكامل حتى يتسلموهم، وحقيقة أننا في كثير من الأحيان لم نكن نجد أسرهم، فمنهم من استشهدوا بالكامل ومنهم من هو بعيد ولا يمكنه القدوم للمستشفى لاستلام أطفاله. وحقيقة غادرت المستشفى وهناك أطفال خدج لا يوجد من يستلمهم، وقمنا بتسليم عدد منهم لمستشفى ناصر، وكنا يوميا نستقبل أطفالا للخداج وكان المعدل وجود (35) طفلا في الخداج».
وتابعت بالقول «كما لا يمكنني أن أنسى طبيعة الحالات الصحية التي كانت تصلنا، فكان هناك حالات حروق وتقطيع وآثار استخدام الفسفور. فعلا الواقع أسوأ بكثير مما نرى ونسمع، وهناك حالات بتر للأطفال، وجسم محروق بالكامل. وبالطبع، الكوادر الطبية الأردنية تتمتع بمهارات طبية تمكننا من التعامل مع مئات الحالات، وقد حققنا بها نجاحات طبية وصحية».
وشددت الرائد البطاينة على وجود حالة مهنية من التكامل بين كوادر العمل، فقالت «كانت نشميات التمريض يقمن بكافة الأدوار الطبية تحديدا للحالات النسائية، لنكمل دور زملائنا من نشامى الخدمات الطبية الملكية، وليكون أداؤنا أردنيا متكاملا نسير على توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني بكل حرص أن يبقى اسم الوطن عاليا بجهود طبية وإنسانية باتت جزءا من المشهد الغزي الباحث عن العلاج والعون الإنساني».
وعن أصعب الأوقات قالت الرائد البطاينة إنها «لحظات القلق، ولا سيما أننا بقينا (40) يوما دون أي اتصالات ودون إنترنت، وحتى بعد عودة الاتصالات كانت هناك صعوبة كبيرة، ودون إنترنت، وبطبيعة الحال فالقلق كان عليّ من أبنائي، لكنها أيام لقيت بها الدعم الكبير من عائلتي لتقديم الأفضل لشعب يرى في الأردن العون والسند الحقيقي له».
تجربة فريدة
من جانبها، قالت الرائد الممرضة القانونية أُنس قاسم العمري «كنت مع زوجي عندما علمت بإمكانية الذهاب لغزة، وعلى الفور وافق على المشاركة بهذه المهمة، وذهبت لغزة، وأنا أرى بها تجربة فريدة إنسانيا ومهنيا، وقد بدأت عملي بقسم الخداج لا سيما أني قبل مغادرتي عمّان كنت قد سمعت خبرا بعدد الأطفال الذين يتوفون لعدم توفر خدمات الخداج في غزة».
وأضافت الرائد العمري «تفاصيل كثيرة عشتها وزميلاتي وزملائي في غزة، أرى بها جميعها نعمة عندما نقدم العون لمن يحتاج والسند لمن يرى بنا الداعم، وكثيرة هي الأحداث التي لن تنسى وستبقى في ذاكرتي وحياتي تلازمني».
وعن أكثر القصص التي أثرت بها قالت الرائد العمري «خلال عملي في الخداج كان هناك توأمان (ولد وبنت) أهلهما في بيت حانون، وكان صعبا أن يصلوا لهما، وحتى آخر يوم لنا في خان يونس لم يتمكنوا من الوصول لهما، فقمنا بتحويلهما وعمرها 4 أشهر لمستشفى الناصر، لتأمينهما. وحسب معلوماتي، حتى الآن، لم يتمكن أهلهما من الوصول لهما. ولا يمكن أن أنسى الأطفال الخدج ممن وصلوا وقد استشهدت عائلاتهم بالكامل، أو من هم مصابون، ولا يوجد أي اتصال معهم».
وتابعت بالقول «كنا نقوم بدور إنساني وطبي للأطفال وأهلهم، وعند مغادرتهم نزوّدهم بمستلزماتهم كاملة من حليب وحفاظات، وأي مساعدة يطلبها الأهل على الصعيد الإنساني والإغاثي».
وبينت الرائد العمري «عملت بكافة أقسام المستشفى لتقديم ما يلزم للنساء اللاتي يصلن للمستشفى بحالات صحية مختلفة، وكان أهم ما نسعى له تقديم كل ما يلزم بكل حبّ، فهذا واجب نقوم به لأهلنا في غزة».
وشددت الرائد العمري على أنهن عملن بناء على توجيهات جلالة الملك لتقديم السند والعون للأهل في غزة، مقدمة شكرها للقوات المسلحة التي وفّرت لهن هذه الفرصة وجعلت المرأة شريكا مع زملائها في مد يد العون الصحي لأهلنا في غزة.
مهنية وإنسانية
وقالت النقيب الممرضة القانونية لينا ريحان جدوع، الأم لولدين، إنه «عمل تطوعي إنساني عظيم سيبقى راسخا في حياتي وليس في ذاكرتي، وقد رزقنا الله أن نرى أهلنا في غزة ونكون لهم العون والسند، ونعيش معهم ظروفهم. ما شاهدناه وعشناه يصعب وصفه، وكل ما أقوله أنني أحمد الله على نعمة الأردن ونعمة الأمن والسلام التي نحياها».
وأشارت النقيب جدوع إلى أن الحالات التي كانت تصلهم خطيرة جدا من حروق وأشلاء وحالات بتر، وقالت «كنا نتعامل معها بمهنية وإنسانية وبروح الأمهات ونفسهن، وقلوبهن، ناهيك عن الإنسانية التي يعيشها كل إنسان يتعاطف مع ما كان يصلنا من حالات».
وبينت النقيب جدوع أن أكثر ما أثر بها في قسم الخداج الأطفال الذين فقدوا أسرهم كاملة، ولم يبق لهم أي شخص، وقالت «وصلت لنا حالة طفلة استشهدت عائلتها المكونة من (70) فردا ولم يبق منهم أحد، ولك أن تتخيلي، ونحن جميعنا أمهات، كيف نواجه هذا الألم، بإنسانية يصعب وصفها، فكما علمنا أن طبيعة العائلات في غزة تقوم ببناء عمارة واحدة تسكنها الأسرة كاملة، وبالتالي كانت العائلات تستشهد كاملة، وهو ما حدث لإحدى الطفلات التي كانت الناجية الوحيدة من عائلتها المكونة من سبعين شخصا».
وشددت النقيب جدوع على التشاركية العالية بين الزميلات والزملاء بعملهن، وقالت «كثير من السيدات اللاتي يتعالجن في ميداني غزة/ 2 يطلبن التعامل مع نساء، فكن نعمل بكافة الأقسام وكلما دعت الحاجة لوجودنا»، مشيرة إلى خبرتها الكبيرة في العناية الحثيثة إذ عملت بهذا التخصص وغيره في غزة، سعيا لتقديم الأفضل للأهل، وتقديم العون والسند لهم تنفيذا لتوجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني.
رفع اسم الوطن عاليا
وباللغة ذاتها المليئة بالحب والوطنية، تحدثت النقيب الممرضة القانونية ورود خلف البرقان، الأم لطفلين، فقالت: أحمد الله أن منحني هذه المهمة كي أقدّم العون والسند على أرض الواقع لأهلنا في غزة، الذين نشأت معهم علاقة مميزة تحديدا مع الأطفال، حتى أننا أطلقنا اسمي «ورود» على طفلة في الخداج، هي إحدى توأمين (طفل وطفلة). وعندما غادرت غزة شعرت أن جزءا من قلبي تركته بوداع هذين التوأمين، لكثر تعلقي بهما لا سيما أنهما لم يصلا لوالديهما حتى الآن».
وأشارت النقيب البرقان إلى أنها أجرت عدة دورات بتخصصات مختلفة وتحديدا في الخداع والأطفال الحديثي الولادة والإنعاش للأطفال حتى عمر 14 عاما، وقالت «بهذه الخبرة تمكنا من تقديم الكثير من الخدمات الطبية والصحية لأهلنا في غزة، وكنا نتعامل مع أهلنا وقد اختلطت مشاعر الأمومة مع المهنية والطبية».
وأضافت: كنا ننتظر «مرح»، هذه الطفلة التي لم تتجاوز سبعة أعوام، وتحرص على أن تأتي لتلهو بجوارنا، دون أن تطلب أي شيء، تستأنس بوجودنا وتعود، حيث تقيم مع أسرتها، لتنشأ معها علاقة حب مميزة عن بُعد».
وأكدت النقيب البرقان أن «علاقة نشميات ونشامى مرتبات المستشفى مميزة ونسعى جميعا لرفع اسم الوطن عاليا، وتقديم العون والمساعدة لأهلنا في غزة، وقد تركنا غزة وكأننا تركنا قلوبنا في هذا المكان لا سيما أننا تعاملنا مع الأطفال، ومنهم من فقد أفرادا من أسرته أو أسرهم بكامل أفرادها، وكنا نقوم بكافة المهام على أكمل وجه وبمهنية واحترافية عالية».

ــ الدستور

مواضيع قد تهمك