الأخبار

أ . د. ليث كمال نصراوين : صدور الأمر الملكي بإجراء الانتخابات

أ . د. ليث كمال نصراوين : صدور الأمر الملكي بإجراء الانتخابات
أخبارنا :  

يكثر الحديث هذه الأيام عن موعد الانتخابات النيابية المقبلة والتي سيتم إجراؤها في هذا العام كاستحقاق دستوري، حيث سينتهي العمر الزمني لمجلس النواب الحالي في منتصف شهر تشرين الثاني القادم، وقد فقدت السلطة التنفيذية حقها في تأجيل الانتخابات. فالنصوص الدستورية التي كانت تعطي الحق للسلطة التنفيذية بتأجيل الانتخاب العام قد جرى إلغاؤها في عام 2011، وذلك ضمن سلسلة الإصلاحات الدستورية التي هدفت إلى إعادة التوازن المفقود بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وإحدى السيناريوهات الدستورية التي يتوقعها البعض أن تصدر إرادة ملكية سامية بحل مجلس النواب الحالي، وما سيستتبع ذلك من أثر مباشر على مصير الحكومة الحالية بين بقائها أو رحيلها وذلك اعتمادا على تاريخ الحل. فإن صدر الأمر الملكي بحل مجلس النواب خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من عمر المجلس القائم، فإن الحكومة الحالية لا تكون ملزمة على الاستقالة.

أما إذا صدر القرار الملكي بحل مجلس النواب قبل الأشهر الأربعة الأخيرة التي تسبق انتهاء مدة المجلس، أي قبل تاريخ 15 تموز القادم، فإن الحكومة الحالية تكون ملزمة على الاستقالة خلال أسبوع من تاريخ الحل، وذلك عملا بأحكام المادة (74/2) من الدستور بحلتها المعدلة في عام 2022.

في المقابل، فقد يكون هناك تصور دستوري آخر يتمثل بصدور الإرادة الملكية السامية بالدعوة لإجراء الانتخابات وفق أحكام المادة (34/1) من الدستور، وذلك قبل أن يصدر الأمر الملكي بحل مجلس النواب. وهذا ما حدث في عام 2020، حيث صدر القرار الملكي بإجراء الانتخابات النيابية في نهاية شهر تموز من عام 2020، ليتقرر لاحقا حل مجلس النواب الثامن عشر في نهاية شهر أيلول من العام ذاته.

وخلال عشرة أيام من صدور الأمر الملكي بإجراء الانتخابات، يقوم مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب بتحديد تاريخ الاقتراع ونشره في الجريدة الرسمية، وذلك عملا بأحكام المادة (4) من قانون الانتخاب لعام 2022. وفي هذا السياق، لا تكون الهيئة المستقلة ملزمة بمدة زمنية معينة لإجراء الانتخابات فيها، إذ يمكن تحديد موعد الاقتراع بعد انتهاء العمر الدستوري لمجلس النواب الحالي.

وهذا ما حصل مسبقا في عام 2020، حيث حدد مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب تاريخ العاشر من شهر تشرين الثاني من عام 2020 موعدا لإجراء الانتخابات النيابية لاختيار مجلس النواب التاسع عشر، وذلك على الرغم من أن العمر الدستوري لمجلس النواب الثامن عشر قد انتهى في الثامن والعشرين من شهر أيلول من العام نفسه. إلا أن الإرادة الملكية السامية بحل مجلس النواب الثامن عشر قد صدرت في السابع والعشرين من شهر أيلول من عام 2020، وذلك قبل تاريخ انتهائه الدستوري وموعد إجراء الانتخابات النيابية.

وتتمثل أهمية الدعوة الملكية لإجراء الانتخابات قبل حل مجلس النواب في تقليص المدة الزمنية التي يجري فيها تغييب المجلس النيابي. فالفترة بين حل مجلس النواب وإجراء الانتخابات النيابية، والتي حددتها المادة (73) من الدستور بأربعة أشهر كحد أقصى، يمكن اختصارها في حال بدأت الهيئة المستقلة للانتخاب المرحلة الأولى من مراحل العملية الانتخابية والمجلس الحالي قائم وموجود.

فمرحلة إعداد جداول الناخبين ونشرها وتقديم طلبات التصحيح والاعتراضات عليها، والطعون القضائية بقرارات دائرة الأحوال المدنية والجوازات ومجلس مفوضي الهيئة يمكن أن يتم إجراؤها خلال فترة وجود مجلس النواب الحالي، حيث تقل احتمالية استغلال المنصب النيابي في هذه المرحلة من قبل النواب الحاليين. فالحق في تقديم طلبات الانتقال بين الدوائر الانتخابية والاعتراض على تسجيل الناخبين والطعن القضائي بالقرارات ذات الصلة قد حدده القانون للجميع دون استثناء.

إلا أنه وبمجرد البدء في مرحلة تقديم طلبات الترشح إلى الهيئة المستقلة للانتخاب وإجراءات الدعاية الانتخابية، ستصدر إرادة ملكية سامية بحل مجلس النواب القائم، وذلك لتحقيق مبدأ المساواة والعدالة بين المترشحين. فالإبقاء على النواب الحاليين أثناء فترة الترشح والدعاية الانتخابية سيضعهم في مركز قانوني أفضل من باقي المترشحين الآخرين، إذ يمكن للنائب المرشح أن يستغل عضويته النيابية لخدمة عملية ترشحه والتأثير في الدعاية الانتخابية لصالح قائمته المحلية أو الوطنية، وذلك بسبب وجوده في مجلس النواب، وما سيتقاضاه من مكافآت العضوية في مجلس الأمة خلال هذه المرحلة الانتخابية.

إن النائب المترشح للانتخابات القادمة، وإن كان فاقدا للحصانة النيابية باعتبار أن مجلس النواب لن يكون منعقدا، إلا أنه سيبقى محتفظا بحقه في ممارسة سلطاته الدستورية الرقابية على رئيس الوزراء والوزراء، والتي تتمثل بتوجيه الأسئلة والاستجوابات النيابية. وهذا الأمر يعتبر اخلالا جوهريا بمبدأ المساواة بين المترشحين أمام قانون الانتخاب، والذي يستمد أصوله الدستورية من المادة (6) من الدستور. ــ الراي

أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة

laith@lawyer.com

مواضيع قد تهمك