الأخبار

د . صلاح جرار : المعتقلون الفلسطينيون لدى الاحتلال

د . صلاح جرار : المعتقلون الفلسطينيون لدى الاحتلال
أخبارنا :  

يقدّر عدد المعتقلين والأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني بنحو عشرة آلاف فلسطيني من الرجال والنساء والأطفال، وقد اعتقل أكثر من نصفهم بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول الماضي، وما زالت قوّات الاحتلال تواصل اعتقال عشرات الفلسطينيين من منازلهم ومدنهم وقراهم ومخيماتهم كلّ ليلة تقريباً، إلى درجة أنني أتساءل دائماً عن أي سجون تلك التي يمكنها أن تستوعب تلك الأعداد من المعتقلين، وكم يحتاج هؤلاء السجناء من السجّانين الذين يحرسونهم أو يحققّون معهم أو يتابعون شؤونهم؟ وأتساءل كذلك عن جدوى هذه الممارسات الصهيونية على المدى القريب أو البعيد؟

وما الذي يجبر الكيان المحتلّ وأجهزته المختلفة على تحميل نفسها هذا العبء الكبير والمتزايد من المسؤوليات مع ما يتبع ذلك من تبعات أمنية وتكاليف اقتصادية؟

إنّ من ينظر في سياسات الكيان الصهيوني وممارساته وردود أفعاله التي تتسم بالتطرف الذي لا حدود له تعبيراً عن عدم شعوره بالأمن يستطيع أن يتبيّن سببين رئيسيين لملء السجون والمعتقلات الصهيونية بالسجناء الفلسطينيين والاستمرار في حملات الاعتقال الليلي والنهاري، أولهما الاحتراز من عدم مشاركة هؤلاء المعتقلين في أي عمل مقاوم محتمل إذا كانوا خارج السجون والمعتقلات، وثاني هذه الأسباب هو استخدام هؤلاء المعتقلين ورقة ضغط على المقاومة عند إجراء مفاوضات لتبادل الأسرى، فكلما زاد عدد المعتقلين الفلسطينيين مقابل كلّ أسير إسرائيلي زاد الضغط على المفاوض الفلسطيني، فإذا كان في السابع من تشرين الأول الماضي كلّ أسير إسرائيلي يقابله نحو ثلاثين معتقلاً فلسطينياً فإنه بعد حملات الاعتقال الجديدة يصبح مقابل كلّ أسير إسرائيلي ما يقرب من مائة معتقل أو أسير فلسطيني، وهي ورقة رابحة- إلى حدّ ما- للصهاينة حيث يمكنهم في مفاوضاتهم لتبادل الأسرى تقليل عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم مقابل كلّ أسير صهيوني، وبذلك يستطيع المفاوض الصهيوني الاحتفاظ بالأسرى الفلسطينيين الذين لا يرغب في إطلاق سراحهم، إلاّ إذا تشبثت المقاومة بمطالبها وشروطها في أثناء المفاوضات.لكنّ الخطأ القاتل الذي وقع فيه الصهاينة وهم يواصلون القيام باعتقالات في صفوف الفلسطينيين أنهم أوقعوا أنفسهم في ورطة عويصة، فهم يدركون تمام الإدراك أن كلّ معتقل فلسطيني يضاف إلى جملة المعتقلين ما هو إلاّ مشروع (سنوار) جديد عندما يطلق سراحه، وخاصّة إذا كان قد تعرّض في السجن للتنكيل أو الإهانة أو التعذيببأي شكل من الأشكال، ومعنى ذلك أنّ عشرة آلاف معتقل فلسطيني في سجون الاحتلال تعني آلاف المشاريع السنواريّة المؤجّلة.

ويدرك الصهاينة أيضاً أنّه لا بدّ لهم آجلاً أو عاجلاً من إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، وأنّه لا بدّ للمحتلين من دفع ثمن ما اقترفوه في حقّ كلّ معتقل. وعلى ذلك فإنّ الورطة التي أوقع الصهاينة أنفسهم فيها أنّهم أصبحوا بين نارين أو بين أمرين أحلاهما مرُّ، فلا هم قادرون على المغامرة بإطلاق سراح عشرة آلاف سنوار جديد خوفاً من النتائج بعيدة المدى على كيانهم المصطنع، ولا هم قادرون على الاحتفاظ بهذا العدد الكبير والمتزايد من الأسرى الفلسطينيين والمغامرة بمصير الأسرى الصهاينة لدى المقاومة. وبدلاً من محاولة الخروج من هذه الورطة بالرجوع إلى الوراء فإنهم يركبون رؤوسهم ويتقدّمون إلى الأمام نحو مزيد من التورّط والوقوع في شباك لا خلاص لهم منها.

ولعلّ هذه الورطة المعقّدة هي السرّ الذي يقف وراء التزام جميع الدول ومسؤوليها في تصريحاتهم ومؤتمراتهم الصحفية واجتماعاتهم بخصوص العدوان الصهيوني على غزّة بعدم التطرّق من قريب أو بعيد لموضوع آلاف المعتقلين والسجناء الفلسطينيين في سجون الاحتلال، مع أنّ قضيّة هؤلاء المعتقلين هي قضيّة مركزيّة من قضايا الصراع الدائر في المنطقة برمّتها، وأن جميع الحلول المطروحة حالياً ومستقبلاً يجب أن تبدأ منها، وإلاّ فإن الأيّام المقبلة سوف تشهد مزيداً من التعقيدات واتّساعاً لدائرة الحروب وسفك الدماء. ــ الراي

Salahjarrar@hotmail.com

مواضيع قد تهمك