الأخبار

د . محمد رسول الطروانة : في مسألة الوقف الصحي

د . محمد رسول الطروانة : في مسألة الوقف الصحي
أخبارنا :  

في ديننا الحنيف أبواب الأجر ومفاتيحها كثيرة وثوابها عند الله عظيم سواء ما كان منها في الأقوال أم في الافعال، ومن أبواب الخير العظيمة الإنفاق في سبيل الله عز وجل، فهو باب لا حدود له وخزينة من خزائن البركة المتعددة، فديننا دين رحمة للناس أجمعين وكل أمر فيه خير ومنفعة للناس يثاب فاعله إذا قصد به وجه الله تعالى، بل أعظم من ذلك، الدال على الخير كفاعله وإن شاء الله أن نكون منهم.

في وقتنا الحاضر طغت أعمال محددة على مجمل أعمال الخير لدينا وصار التنافس والتسابق عليها دون غيرها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، بناء المساجد وتسبيل الماء وإفطار الصائمين وأعمال أخرى محددة، بلا شك أنه هذه الاعمال فيها أجر وثواب كبيران كما قال نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم: «من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة» وقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة الماء» ولكن الخير لا ينحصر فقط في هذه الأعمال الخيرية المعتادة، فهناك مصارف أخرى للصدقات قد تكون أعظم ثواباً وأجراً، لاسيما إذا كان الأمر يتعلق بحياة الناس وإنقاذهم لقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}. الملفت للنظر في هذه المسألة أن القطاع الصحي–للاسف–يشهد نصيباً أقل من غيره في العمل الخيري على الرغم مما نراه من مبادرات فردية يقوم بها بعض المحسنين في دعم مشاريع خيرية صحية، فلنتذكرأن الوقف امتداد لعمر الانسان فاذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث منها (الصدقة الجارية).

الوقف الصحي، أحد أنواع الوقف، حيث يخصص مال أو عقار لخدمة الصحة العامة، كبناء المستشفيات والمراكز الصحية، أو توفير الأدوية والاجهزة الطبية، أوحتى تدريب الكوادر الصحية، أو أي أنشطة أخرى تساهم في تحسين الصحة العامة في المجتمع من خلال توفير الرعاية الصحية الأساسية للفئات الأكثر احتياجًا، كالفقراء والمساكين، وله دور ايضا في نشر الوعي الصحي من خلال برامج التوعية الصحية التي تهدف إلى تغيير السلوكيات الضارة بالصحة.

المسألة تتطلب توسيع مفهوم الوقف لدى عامة الناس لكي لا ينحصر في بعض الأوجه التقليدية، فالمساجد ودور الرعاية كثيرة، وهذه الاشياء على جلال قدرها وأهميتها الا اننا بحاجة إلى ولوج أبواب جديدة للوقف ومنها الوقف الصحي بكل أشكاله، خدمة للمجتمع والانسانية جمعاء، فالمجالات التي يمكن أن يسهم بها الوقف الصحي عديدة قد تكون بوقف المستشفيات والمراكز الصحية أو بتقديم المنشآت و الاراضي الخاصة بها أو إعمارها و تجهيزها أو توقيف بعض المشاريع الاستثمارية للصرف على المؤسسات الصحية–أو وقف الاجهزة الطبية كأجهزة غسيل الكلى أو الأجهزة الشعاعية المتطورة أو وقف سيارات الاسعاف أو وقف أدوية الامراض المزمنة أو الوقف على مراكز البحوث الطبية و ذلك بالتنسيق مع وزارتي الصحة والأوقاف.

نحن في الأردن بحاجة ماسة الى الاستفادة من تجارب بعض الدول العربية، تلك التي قامت بعمل صناديق وقفية مثل الكويت حيث خصصت صندوقا وقفيا للاهتمام بالرعاية الصحية ودعم العديد من البحوث الطبية ووفرت أجهزة ومعدات طبية، وكذلك الصناديق الوقفية في الشارقة التي اقامت مشاريع لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة لتأهيلهم جسديا ونفسياً وانشأت لهم دور رعاية.

ولعل مستشفى المقاصد الذي أفتتح في الأردن عام 2014، الصرح الطبي الوحيد كوقف صحي خيري وغير ربحي يعتمد على التشغيل الذاتي من خلال تبرعات وزكاة أموال أهل الخير من داخل المملكة وخارجها حيث حظي هذا المستشفى بإدارة حصيفة من لدن الصديق والزميل العزيز «أبو بشار» الدكتور علي بني نصر والذي مارس إدارة المستشفيات لعقود، وضع كل خبراته لقيادة فريق عمل تمكن من إنجاح وتطوير هذا المشروع الوقفي، الذي يعتبر تجربة وقفية صحية ناجحة على مستوى الأردن والإقليم يحتذى بها، إذ يلقى إقبالاً من المراجعين وتعاوناً من مختلف الشركاء.

هناك العديد من الأشكال التي يمكن أن يتخذها الوقف الصحي، منها الوقف الخيري حيث يتم تخصيص مال أو عقار دون تحديد جهة معينة، وتعود إيراداته إلى جهات خيرية عامة، مثل المستشفيات والمراكز الصحية والوقف الأهلي اذ يتم تخصيص مال أو عقار لصالح جهة معينة، مثل مستشفى أو مركز صحي محدد.

وهناك العديد من الجهات التي يمكن أن تستفيد من ايرادات الوقف الصحي لتمويل برامجها وأنشطتها الصحية وعلى رأسها الجمعيات الخيرية الصحية وحتى الحكومة يمكنها الاستفادة من خلال صناديق وزارة الأوقاف.

خلاصة القول، لأن الوقف الصحي أداة فاعلة لخدمة المجتمع، فمن الضروري تشجيع الناس على الوقف الصحي، ودعم المؤسسات الصحية التي تستفيد من الوقف الصحي، ولا بد من زيادة الوعي بأهمية الوقف الصحي من خلال حملات التوعية بهدف تعريف الناس بفوائد الوقف الصحي وكيفية المشاركة فيه و تطوير التشريعات الناظمة لعمله، وضمان الاستخدام الأمثل لإيرادات الوقف الصحي و تعزيز الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص في مجال الوقف الصحي.

مدير الأكاديمية الدولية للصحة المجتمعية

ــ الراي

مواضيع قد تهمك