الأخبار

عبد الهادي راجي المجالي : أدوات الزمن المنحط

عبد الهادي راجي المجالي  : أدوات الزمن المنحط
أخبارنا :  

... أصابني بعض الذهول أمس حين اكتشفت أن (الخضرجي) الموجود في حارتنا..يبيع الكوسا (محفورة جاهزة)....وحين سألته: أكد لي أن الإقبال عليها صار كبيرا جدا وأن السيدات بدأن بالعزوف عن شراء الكوسا الطبيعية...

هذا بالطبع يستدعي موقفا من الحركة النسوية، أصلا ما قيمة الكوسا إن لم تخضع للخرط..من قبل سيدات يبذلن جهدا كبيرا في إطعام العائلة والتفاني في خدمتها...ماهو موقف وزارة الزراعة من الأمر؟...هذا يعني أن عملية خرط الكوسا انقرضت تماما، ويعني أن الكوسا هي الأخرى قد خضعت لمشاريع ليبرالية مستوردة ولوصفات (الأن جي أوز)...

ما مصير حفارات الكوسا التي صنعتها الصين وصدرتها للعالم العربي؟ هل سترمى في القمامة؟....اذهلني أكثر أن الملوخية هي الأخرى صارت تباع (مفرومة جاهزة)...هذا يدل على أن خللا أصاب النسيج الإجتماعي في البلد..زمان مثلا عملية تلقيط الملوخية كانت تخضع لاشتراك ثلة من الجارات..وأثناء عملية التلقيط هذه تدور حوارات مهمة حول الزوج والأولاد ويتم تبادل الخبرات...وتتجلى عملية الحب والود بأبهى صورها بين نساء الحارة حين تصاب قدم (أم حسني) بالخدر نتيجة جلسة (التلقيط) الطويلة..فتهب الجارات كلهن بلا استثناء لرفعها، كنت أشعر أن أق?ام (أم حسني) لايوجد فيها أوتار ودماء..بل يوجد فيها عملية ميكانيكية تسمى الضغط الهايدروليكي...

لم اتخيل أن الإنحدار الأممي سيصل لمرحلة تباع فيها الكوسا محفورة جاهزة والملوخية تباع أيضا (مفرومة) جاهزة...أين مسؤولية وزارة الزراعة عن هكذا أمور؟...الأنكى من كل ذلك أن الفجل الذي كنا نشتريه (ربطات) صار يباع..مقشرا ومغلفا وجاهزا..هل وصلنا لمرحلة يوضع فيها الفجل على الرفوف بهكذا شكل..

لا أريد أن أتحدث عن (الباذنجان)..هو الاخر خضع لذات العملية التي خضعت لها الكوسا....والأنكى أن النساء يقبلن على الشراء، يا ترى ما هو مصير (خرطة الكوسا)؟ كنت أتذكر كيف تطبخ مع البصل والثوم والزيت البلدي.. لكن للأسف بفعل عمليات التشويه التي جرت على الكوسا، هذا الجيل لم يعد يعرف معنى (خرطة كوسا)...

أنا لا أريد أن أقدم مقالا ساخرا، ولكني البارحة حين خرجت من عند (الخضرجي) أيقنت أن الخضراوات صارت من دلالات الإنحطاط...حتى الزوجات أصبحن كسولات ويخضعن لمزاج السوق...هل وصل التراخي بالمجتمعات لأن تشترى الكوسا (مخروطة جاهزة)...

كنت أسمعهم أحيانا حين يقولون: جيل (مايص)..ولكن القصة صارت أبعد من ذلك، القصة باختصار تكمن في وجود التراخي بأنماط الحياة، لم يعد الفرد يريد أن يبذل جهدا..والأرض لم تعد قيمتها بما تنتج بل قيمتها بكم يساوي المتر، والزوجة لم تعد تقوم بأعمالها كما يجب صارت تمارس أقل الأعمال...

حين نتحدث عن مجتمعات الاستهلاك، علينا فقط أن نراقب أسواق الخضار سنعرف ساعتها...معنى المجتمعات الرخوة، سنعرف معنى انحدار القيم..وسنعرف معنى هزيمة الأمة...

صدقوني أن السيدة التي تعجز عن حفر (الكوسا) هي ذات السيدة التي ستنتج جيلا مهزوما...وتسألني يا صاحبي لماذا صرت أكره (المحاشي) ! ــ الراي

Abdelhadi18@yahoo.com

مواضيع قد تهمك