الأخبار

د . ماجد الخواجا : تلوث معلوماتي

د . ماجد الخواجا : تلوث معلوماتي
أخبارنا :  

اعتدت دائماً على الثقة في ما يصدر عن جهات الاختصاص خاصةً ما يتعلق في النواحي الطبية والصحية، باستثناء النواحي الاعلامية والسياسية التي تكتظ عادة بكل المتناقضات الفجّة بما يكفي لعدم الركون لها في بناء رأي أو تشكيل موقف ما.

يبدو أننا نميل عادةً لتبادل التجارب الذاتية عندما يتعلق الأمر في موضوع مرض أو ألم معين أو علاج، فتبدأ أكبر حملةٍ من الاقتراحات والنصائح بتناول فواكه أو أعشاب أو عصائر أو أدوية أو تغيير عادات وممارسات سلوكية يومية أو غذائية، هكذا بشكلٍ مجاني يتم منحنا عشرات النصائح لعلاجات أو تدابير لا مصدر لها غير قائلها معتبراً أنها الحل الشافي الناجع حتى لو كان المرض مزمناً وخطيراً ابتداءً من صداع في الرأس أو ألم في البطن أو السكري أو أمراض الكلى أو التهاب السحايا أو العقم، أورام قد تكون سرطانية أو جلطات دماغية، هذه كلها تجد متبرعين بحلول وعلاجات يزعم أصحابها بأنها مجرّبة وفعّالة.

لكن الخطورة أصبحت أكثر وضوحاً مع تفشّي انتشار الفضائيات ووسائل الإعلام الرقمي التي يخرج عليها كثيرون من الأطباء ذوي الاختصاص، الذين تتناقض آرائهم إلى درجة الحيرة في الأعراض والعلاجات لذات المرض، لقد شاهدت أطباء يتحدثون مثلاً عن خطورة تناول أدوية ضغط الدم، وأن علينا عدم اللجوء لها إلا عند الضرورة، وآخر يتحدث عن طريقة سهلة في تخفيض تسارع نبضات القلب بوضع الأصابع في الحلق أو بفرك العيون بقوة، فيما يتحدث غيرهم عن حلول ساذجة عند حدوث النوبات القلبية والدماغية.

كذلك الحال مع من يخرجون عبر الفضائيات ومواقع التواصل باعتبارهم خبراء في التغذية، هنا يزداد المشهد سخرية وهزلية عبر سيل من النصائح بتجنّب أغذية معيّنة وتناول غيرها، ولو أتيح لنا جمع تلك المواعظ التي تنهال علينا، ربما نكتشف عدم إمكانية تناول أية مواد غذائية بالمطلق.

أما الحديث عن تضخّم أعداد المحللين السياسيين والرياضيين والفنيين والإعلاميين والخبراء في كل شأن من شؤون المجتمع، هنا حدّث ولا حلاج عن كمية التناقض والسذاجة والاستخفاف بعقول البشر لمجرد الظهور الإعلامي على فضائية أو عبر موقع تواصل اجتماعي.

هنا يجيء السؤال الأخلاقي: هل يحق لأيٍّ كان الظهور عبر وسائل الإعلام وتقديم الاقتراحات والاستشارات الطبية وغيرها دون التحقق من مصدر المعلومات ودون الوثوق من صحتها.

نحن كثيراً ما نمارس النقد وتقديم المواعظ بصورة مرسلة ومجانية ودون تروّي، بما يؤدي إلى مضاعفة الخطورة والمعاناة نتيجة الاستشارات المجانية الساذجة، عليك بتناول التفاح الأخضر، أو البرتقال أبو صرّة، تناول الموز صباحاً، عليك بعشبة الزنزلخت، العكوب دواء، أكثر من شراب عصير الرمان، الجعدة أو الميرمية أو الثوم أو البصل أو البطيخ. هذه وصفات تلقى علينا كل لحظةٍ ما أن نعلن أمام الآخرين عن ألم ينتابنا ووجع يهيمن على أجسادنا.

أفكر لو يتم الحد من الظهور الإعلامي لمثل هؤلاء طيلة الوقت، ربما حينها تتحسن حالتنا الحياتية. لقد أتخمنا بالمستشارين واستشاراتهم التي لا تنتهي، لكنها لم تعالج مشكلة واحدة في حياتنا. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك