تسيطر على كثير من سكان مواقع التواصل الاجتماعي فكرة أن الهجوم الجوي الإيراني أول أمس على إسرائيل ليس إلا مسرحية محكمة الأداء دقيقة الأدوار، وأنه يقترب ليكون طريقة طفولية ساذجة مكشوفة ومضحكة جاءت لحفظ ماء وجه إيران وإنزالها عن الشجرة، بدليل أن ساعة الصفر كانت معروفة وممررة إلى الجميع، كما أن أكثر من 99% من المسيّرات والصواريخ والمقذوفات أسقطت قبل وصولها إلى أهدافها، هذه إن كان لها أهداف محددة حقاً.
استبعد هذه الفرضية التي ستكون صحيحة إذا بلعت إسرائيل هذا الاختراق التاريخي الخطير واستوعبته، ولم ترد عليه في العمق الإيرني بشكل موجع ومؤثر، ولهذا سيبقى علينا أن ننتظر لبيان حقيقة الأمر، وعندها سيكون السكوت انتقالا للصراع الثلاثي الإيراني الإسرائيلي الأمريكي إلى مرحلة جديدة، فطيلة العقود الأربعة الماضية كانت تلك الدول الثلاث تدير صراعها على مستوى منخفض التصعيد مراعين عدم الدخول بمواجهة مباشرة لا أعتقد أن إيران وأمريكا تريدانها تحديدا، لأن الأولى يرضيها أن تشن حروبها بالوكالة على عدة جبهات دون تعريض أراضيها لحرب تعرف أنها ليست على مقاسها.
لكني ينتابني شعور مغاير أن نتنياهو يريد تلك المواجهة المفتوحة على كل الاحتمالات ويسعى إليها بكل جدية، وكأنه يريد توريط أمريكا بحرب إقليمية يستفيد منها بعد أن تلبسه جنون العظمة، ومعرفته الأكيدة أن الدول الغربية لن تتخلى عن مهمة الدفاع عن كيانه ودعمه.
من جانب آخر، فالأمر المثير والمسكوت عنه حقا، والذي لا يرغب كثيرون في التفكير به وطرحه أن الهجوم لم يأت أبداً انتقاما لمقتل أبناء غزة واستباحة دمائهم ودمار بيوتهم، بل جاء وحسب ما ورد على لسان القادة الإيرانيين انتقاما لمقتل قائد فيلق القدس ورفاقه في القنصلية الإيرانية بدمشق، وهذا كلام لا يعجب كثيرا من سكان مواقع التواصل الذين يجنحون إلى تحليل الأحداث بالعواطف والأمنيات لا بموازين العقل والتبصر.
وفي السياق ذاته ينبري السؤال الأكثر وخزا وحرجا، هل سيخفف الهجوم من الضغط على غزة ويدعم صمودها؟ وهل سيمنع الإبادة التي يمارسها الكيان الغاصب بحق شعبها.
الرد الإسرائيلي المتوقع على الهجوم الذي تعارضه أمريكا قد يكون شرارة لحرب كبرى في المنطقة، وهذا ينسجم مع توجهات نتنياهو ورغبته في توسيع بيكار حربه ليخلص من أزمته الداخلية، وينهض من سقوطه في مستنقع اللاجدوى.

ــ الدستور