الأخبار

بشار جرار : ردّ الرادود؟!

بشار جرار : ردّ الرادود؟!
أخبارنا :  

«الرادود» هو ذلك المُنشِد الذي يلقي على نحو عاطفي حماسي مؤثر بضع كلمات -صاغها أو تلقّنها- سرعان ما تنتظم في إيقاعات تصاعدية على وقع القوافي التي يرافقها ما يعرف باللطم الإيقاعي التصعيدي. ذلك اللطم -المحرم أو المنهي عنه شرعا- يبلغ في بعض المناسبات حد «التطبير»، وهو إيذاء الجسم -الذاتي أو للآخر- بجروح سطحية وغائرة أبلغ ما فيها ما تخلّفه من آثار نفسية مدمرة على ممارسها لا بل وحتى المتفرج عليها.
العجيب أنه ما من رادود -وإن على صراخه ونحيبه- مارس التطبير على نفسه أو أحد من خاصّته فتراه بالكاد «يدق على صدره»! والأكثر عجبا هو صمت من يفتون بحرمة وكراهة تلك الممارسات عن استمرارها ما دامت تحقق عوائد حماسة الرادود، وإن أسرف المرددون من ورائه في تحويل القوافي والعواطف إلى جروح قطعية وأموال وهبات سخية.
صحيح أن رشقة ليلة الأحد الإيرانية -بعد انقضاء حرمة السبت في إسرائيل- كانت سابقة في تاريخ الوعيد المتبادل بينهما منذ وصول الخميني من باريس إلى طهران عام 1979 وحتى ليلة 13 على 14 إبريل، إلا أنها انتهت على خير على ما يبدو و «يا دار ما دخلك شر»! هو الرد «المتفق عليه» الذي فضحه قبل أشهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعد تصفيته قبل أربع سنين قاسم سليماني قائد ما يسمى فيلق القدس بضربة صاروخية من درون «حقيقي»، ليس من طراز تلك الدرونات البطيئة الوهّاجة سهلة الاصطياد بعد ترويج إعلامي لم تحجب فيه عن الجمهور سوى ساعة الصفر وخارطة الأهداف.
عشرة أيام من التسويف في الرد على تصفية محمد رضا زاهدي القائد العملياتي الميداني لذلك الفيلق والمسؤول عن عدة ميلشيات. تسويف كان من الواضح أنه لضمان مرور الانتقام الإيراني المباشر أو غير المباشر دون التسبب بمواجهة مفتوحة مباشرة مع إسرائيل أو السقوط -ولو بالخطأ- في شباك حرب عالمية ثالثة لا يريدها أحد، بما في ذلك روسيا والصين.
رد الرادود الخامنئي أتى متقدما على الرادود الخميني من حيث سابقة الضرب المباشر من داخل إيران إلى داخل إسرائيل، مما يزيد التساؤلات المطروحة حول حقيقة ما جرى قبل وبعد السابع من أكتوبر، ونية بعض الأطراف الدولية والإقليمية الجادة الحسم: إما إدخال إيران في الترتيبات الخاصة بإنهاء حرب غزة وما يعنيه ذلك إقليميا في «اليوم التالي» لحماس، وإما إطلاق مسار «محاسبة إيران» في الكونغرس بما في ذلك إحداث ضغوط خارجية داخلية عسكرية اقتصادية لضمان إقصاء أو احتواء المتشددين حول «المرشد الأعلى» علي خامنئي ورئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي، أو تغيير نظام ولاية الفقيه برمته بدلا من الاكتفاء في التعامل مع أذرعه في أربع ساحات عربية، ومحاولات تغيير ما أجمعت على وصفه الإدارات الأمريكية الجمهورية والديموقراطية بأنه دور إيران «الخبيث» في المنطقة والعالم.
متى يعي بعض الأخوة -ممن لا شك في حسن نواياهم- أن بعض التحشيد والتهييج وما يرافقه من اختطاف المنابر والميادين وركوب الأمواج، لا يريد خيرا بنا أبدا؟ تأبى الكياسة والفطنة أن يجعل البعض من المؤمنين بكل ما هو حقّ وخيّر، مجرد ضحايا «رادود»! ــ الدستور

مواضيع قد تهمك