الأخبار

سامح المحاريق يكتب: من هو الفلسطيني؟ ومن يتحدث نيابةً عنه؟

سامح المحاريق يكتب: من هو الفلسطيني؟ ومن يتحدث نيابةً عنه؟
أخبارنا :  

يبقى إدوارد سعيد من أكثر الشخصيات التي اشتبكت مع القضية الفلسطينية بصورة منهجية وواقعية، ووصل في مسيرته لمرحلة أن يقرر أن التجربة الفلسطينية مبعثرة، إلى درجة تجعل المفاهيم الكلاسيكية لا تنطبق عليها، والحقيقة، أن المشهد العام يفتقر إلى أشخاص يمتلكون رؤية سعيد، وقبل ذلك، الاحترام الذي يحظى به على المستوى الفلسطيني والعربي والعالمي.

الاعتراف الذي قدمه سعيد لم تتلقفه الجهات الفاعلة في السياسة الفلسطينية بالعناية اللازمة، فهي في النهاية أطراف سياسية، بمعنى أنها تحمل أهدافها الخاصة ضمن المرحلة التاريخية المحددة وظروفها الحاكمة، ويمكن أن تقدم التنازلات وأن تعمل على المناورة، ولذلك ازدادت المسألة تعقيداً، فالجميع يتحدث عن الفلسطينيين إلى درجة غير منتجة، تجعلهم يظهرون وكأنهم يتحدثون بصيغة المبني للمجهول، ويقدمون نائب الفاعل ليحكم الحالة، مع أنه لا يمتلك أي قيمة تفسيرية.

يمكن أن توضع المعادلة الطويلة والمركبة بين قوسين، الأول، يرى الفلسطينيين شعباً مستقلاً كاملاً وناجزاً، ويؤكد أنه الطرف الوحيد في الصراع الذي يجمعه مع (إسرائيل) أو (الصهيونية)، وهذه الرؤية، بجانب أنها لا تعبر عن الواقع وتفاعلاته منذ العشرينيات من القرن الماضي وبداية الانتداب البريطاني عن فلسطين، فهي تجرد الفلسطينيين من أدوات ضرورية في مواجهة الخصم الذي يعتبر تعبيراً عن مشروع (استعماري) تسانده دول متعددة رأت في إنشاء الكيان المحتل تأميناً لمصالحها بعيدة المدى.

في المقابل، تزعم أطراف فلسطينية أخرى، أن فلسطين وقف إسلامي، وبذلك تبقي القضية موزعة على فضاء متسع بحيث تتلاشى بؤرتها المتمثلة في تمكين الشعب الفلسطيني من العيش وفقاً لشروط طبيعية وفي دولة تمثله وتعبر عنه.

بين الرؤيتين، الكثير من التفاصيل، والتوجهات، وأصحاب الرؤيتين، يقومون بسلوكيات تتناقض مع الخطاب المفترض أن تحمله مقولاتهما، فمن ينادون بفردانية ووحدانية القرار الفلسطيني اشتبكوا طويلاً في علاقات معقدة مع الدول العربية من العراق إلى المغرب، ومن يقولون بفلسطين وقفاً إسلامياً يؤكدون على خصوصية الحالة الفلسطينية ويتخذون القرارات المنفردة في التوقيت الذي يرونه مناسباً.

قبل قرن من الزمن، كان يمكن الحديث عن شعب فلسطيني، على الأقل من الناحية النظرية، وذلك أساسه وجود الانتداب البريطاني الذي وضع حدوداً لدولة فلسطين، أما ذلك الشعب، فكان من التنوع والثراء بحيث يمكن وصفه بالاستقطابي، الشامي والمغربي كانوا يلتقون في فلسطين لأسباب دينية وأخرى تتعلق بالموانئ النشطة، ومقولات الكنعانية أو الفينقية، هي تدبيرات أسطرة وترميز تلزم كثير من الشعوب في مرحلة بناء الكتلة القومية، ولكن الفلسطينيين متعددين عرقياً بصورة غير معروفة في كثير من البلدان في العالم.

الشعب المتعدد عرقياً والذي انصهر في ثقافة عربية تلبية لموقعه المتوسط بين المشرق والمغرب العربيين، أدخلته النكبة، ومن بعدها نكسة حزيران في واقع جديد، فثمة فلسطينيون في الأرض المحتلة 1948، ولاجئون خرجوا منها إلى مناطق الضفة الغربية وغزة، وإلى دول عربية مختلفة، انتهجت كل دولة مقاربتها الخاصة في التعامل مع اللاجئين، وبعد ثلاثة أو أربعة أجيال يوجد لاجئون فلسطينيون تتعدد رؤيتهم لظروفهم الخاصة، ومعها احتياجاتهم ومطالبهم، ويوجد فلسطينيون تشكلوا في ثقافة خليجية، وآخرون في ثقافة أوروبية وأمريكية، حتى أنه يوجد فلسطينيون هاجروا في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين إلى أمريكا اللاتينية، وكانوا في بداية هجرتهم يوصفون بالترك أو السوريين، بناء على مسمى الكيان الذي هاجروا منه، وأصبحوا بأثر رجعي فلسطينيين معتدين وحريصين على هويتهم الفلسطينية بوصفها هوية تعبر عن قضية عادلة وعن المبادئ المرتبطة بها.

هذا ويوجد فلسطينيون لم يكونوا يومًا من أبناء فلسطين التاريخية، ولم يولد أي من أجدادهم في فلسطين، ويحملون جنسيات أخرى، ولكنهم تطوعوا ليكونوا جزءًا من القضية الفلسطينية، ولنا أن نتساءل بعد كل هذه السنوات عن قيس عبد الكريم العراقي الأصل ودوره منضويًا في التنظيمات الفلسطينية، وعن مثقفين عرب مثل المصري الراحل سيد حجاب من غير المنتظمين في بنى سياسية والذي أطلق زملاؤه اسمه على عملية فدائية في 1967 لدوره في دعم منفذي العملية في مصر، هل لا يعتبرون شركاء في القضية الفلسطينية، بينما يتوجب أن يعتبر مصعب يوسف صاحب صوت في الشأن الفلسطيني وهو العميل الوقح للاحتلال وروايته؟

الدكتور أحمد جميل العزم، كان يقدم جانبًا من المشهد المعقد وهو يتساءل: » هل يعرف أحدٌ مَن هو ممثل الاتحاد العام لطلبة فلسطين في المجلس الوطني الفلسطيني؟» ويتابع في مقال نشره مؤخرًا: » يقول شباب ناقشتهم في أهمية الالتزام بمنظمة التحرير الفلسطينية؛ «أنت تتحدث عن شيء لا نعرفه»، و"لا نتذكّر شيئًا عنها حتى نحرص عليه»، و"أغلبية أبناء الشعب الفلسطيني تحت الثلاثين من أعمارهم لم يعيشوا شيئًا ملموسًا يتعلق بها»، ولكنهم يقولون؛ نحن بأمسّ الحاجة لمنظمة تجمعنا.»

انطلقت أكثر من دعوة في الفترة الماضية لبناء أرضيات تواصل تجمع الفلسطينيين وتمكنهم من الحديث والنقاش حول الأولويات، وإجراء مراجعة تاريخية للتجربة المتشظية والمعقدة، وهي لا تستطيع في أي حال إلا أن تجمع أطيافًا من كل فئة من أبناء المشهد الفلسطيني، ولذلك، فإن العمل يتوجب أن ينصب على إصلاح جذري في منظمة التحرير الفلسطينية والبناء على وجودها بوصفها مظلة فلسطينية جامعة بعد أن تحولت إلى كيان شكلي يكاد يكون ملحقاً بالسلطة في رام الله في حالة مشوهة يلتهم فيها الجزء الكل ويدفعه للوراء.

هذه اللحظة التاريخية المعقدة تستلزم وجود صوت فلسطيني يستطيع أن يعبر عن نفسه وعن أولوياته ومصالحه، وأن يتعامل ضمن استراتيجية واسعة ومتعددة المراحل، وأن يطلع على الحقائق ويتفهمها تجاه أن يكون صاحب تأثير حقيقي ويتحمل مسؤوليته التاريخية، ويقطع الطريق على محاولات كثيرة لتوظيف الفلسطيني بوصفه مبنيًا للمجهول يضطر للتعامل في كل مرة مع نتائج أمور كثيرة جرت باسمه ونيابةً عنه وأن يتحمل تبعاتها من غير أن يسأله أحد عن أولوياته أو تطلعاته أو حتى أفكاره. ــ الراي

مواضيع قد تهمك