بشار جرار : تعريض الكتفين
تأخذنا الدنيا في طرق، جميع الناس فيها عابرون، ذهبوا هم أو نحن غادرنا، جميعنا -بعد ما قُدّر لنا من أعمار وأرزاق- جميعنا لا ريب عابرون. من الطبيعي، في دروب الحياة أن تتقاطع المسارات أحيانا، وتتوارى وتتوازى أحيانا أخرى.
لا مشكلة في تلك التي تتوارى فمصير الحيّ يتلاقى، كما يقال في الأمثال الشعبية. لكن المشكلة عندما يحكم قانون التوازي -هندسيا- باستحالة اللقاء، حينها تهون المواقف المتباعدة بين الناس التي قد يجمعهم ما فرقهم، مما يمنح الأمل الدائم بالتلاقي بعد التباعد حتى وإن وصل الخصام إلى ما لا تحمد عقباه.
«يِخلِف» على من أرادوا نشر الديموقراطية وتعميمها حتى على من هم أبعد الناس عن قيمها، والعتب محصور فقط بأولئك الذين لا يلتزمون بمساربهم المتوازية بصبيانية تتراوح نتائجها من الزحام إلى الصدام.. وكما السائق المتهور أو الأرعن، يظن نفر من الناس -قريبين كانوا أم بعيدين، من الجوار الإقليمي أو خارجه- يظنون وكل ظنّهم إثم، أن الشوارع والميادين كلها لهم دون تقدير عواقب الزحام اقتصاديا والأهم نفسيا واجتماعيا، ودون أدنى اعتبار للأرواح البريئة التي تزهق جراء صدام أصله تجاوز على حق الآخر بالقيادة الآمنة كما يراها هو. والناس ما داموا أحرارا في اختياراتهم، كذلك هم الضامنون والراعون والمتعايشون معهم كونهم أيضا أحرارا وعملا بمقولة «خلاف لا يفسد للودّ قضية».
في عملية السلام التي تطلب الأمر زهاء قرن من النزف القاني لانطلاقها ومضى عليها ثلاثة عقود ونيّف، انقسم الناس وهذا حقنا جميعا، انقسموا بين مؤيد ومعارض. الانقسام على السلام تفاقم لما صارت له منصات ومسارات، وهذا من حقنا أيضا جميعا ما دام الاختلاف وحتى الخلاف بعيدا عن هز الأكتاف وتدافعها. ليت الأمر ينتهي بالتدافع حيث يثبت الثابتون الأصيلون الأصائل، لكن الأمر تفاقم إلى إلقاء تبعات خيارات البعض التي لم نستشر بها على أكتافنا، لا بل وعلى كاهل أجيال يعلم الله بحال زمانهم ودنياهم. صحيح أن حمل الأمانة يتطلب تعريض الكتفين، لكن بعضنا ينسى أنها أمانة تصدّعت وخرّت من خشيتها الجبال..
نسأل الله أمنا وسلاما لجميع الأنام، خاصة أهلنا في غزة هاشم، مع تلاقي صيامي الفصحين المجيدين -غربيا وشرقيا- ورمضان المبارك. ــ الدستور