الأخبار

بشار جرار : الحساب يجمع

بشار جرار : الحساب يجمع
أخبارنا :  

أيام الطفولة والصبا، لما كان استلام المصروف من الوالدين مع كل طالع شمس، كانت الوصية الحذر من مدعي الإيمان الزائف والتواكل في غير محله، الداعي إلى «صرف ما بالجيب ليأتيك ما بالغيب»! بعض الأسر التي أرادت تنشئة أبنائها على ما هو أهم من التوفير والتدبير، أدخلت آداب وعلوم الاقتصاد وحتى السياسة مبكرا على مصروف الجيب، عبر وسائل ناعمة وأدوات تربوية مستدامة ومؤثرة، جعلت من الحساب الجاري يوميا مخصصات أسبوعية، حتى ينشأ جيل يعرف قيمة التخطيط وبالتالي يفهم الفارق بين الحاجات والضروريات والرغبات دونما إغفال لبندي ادّخار أو استثمار لا إنفاق: الأول للطوارئ والثاني لباب النثريات الذي غالبا ما تكون درفتاه مشرعتين مما يتيح له لعب دور الجوكر في سد ثغرات البنود السابقة عندما يأتي يوم الحساب أو تقديم كشف حساب.

كثير من الأسر نجحت فيها تلك التجارب لجميع أبنائها وأحيانا بفارق لصالح الإناث، فهن بفطرتهن -أعجب كلامي بعض جماعات المجتمع المدني أو الأهلية أو غير الرسمية «الإن جي أووز» أم لم يعجبهم- هنّ الأكثر حرصا على التخطيط والتدبير بواقعية يكسبها البعض خطأ وحصرا ميزة الذكورية.

تماما كما يسوق البعض للمثل السابق بأنه إيمان بالله وإيمان بالرزق، فيما هو إسراف يصل حد سوء الائتمان وهو شكل من أشكال خيانة الأمانة. لذلك ما زالت الحصافة المالية وليس النزاهة أو حتى الملاءة المالية، مازالت الحصافة -بمعنى حسن الحكم على الأمور وتقدير المقدمات والنتائج- ما زالت عامل تقييم رئيسيا في اختبارات التوظيف والتعيين والترقية ومن قبل الأهلية، أهلية شغل الموقع العام خاصة إن تعلقت بقرارات شاغرة أرواح الناس وقوت عيالها.

علّمنا الكبار أن «الحساب يجمع». ليس كرما فقط بأن يقوم من يأخذ مصروفه من والديه بالتعبير عن كرم حاتمي وأثرة تصل حد دفع حساب الأصحاب نيابة عنهم، وإنما استحقاقا بمعنى تحمل الجميع وليس فقط الداعي أو المدعو إلى مناسبة ما، بتحمل دفع فاتورة حساب تجمع الجميع.

في الصيف الماضي فجعنا بحوادث إطلاق نار اقترفه من ابتلي بسلوك أرعن ليس منّا، دفعنا جميعا الحساب وليس فقط صاحب العرس أو فرحة التخريج أو المنصب الجديد الذي يقال فيه إحدى الكليشيهات الفاقدة لمعناها وهي: بكم تزهو المناصب، والأصح أن المسؤول -في القطاعين العام وحتى الخاص- راع وخادم يشرف هو، بتحمل أمانة المسؤولية وأعباء المنصب لا العكس.

ولأن جرحنا النازف غرب نهرنا المقدس: جنوبا في غزة هاشم وشمالا في الضفة، آن الأوان وقد ارتفع ثمن فاتورة السابع من أكتوبر، ففاق حصاد معارك سابقة منذ انتزاع حماس الحكم قبل نحو عقدين من فتح أو المنظمة أو السلطة، آن الأوان تذكير الجميع بأن الحساب يجمع..

ما عاد قرار الاستمرار في هذه المقتلة قرارا يعني الطرفين المباشرين، انظر ما يجري في البحر الأحمر منفذنا المائي الوحيد على العالم، دقق النظر بساحات عربية وغربية بعينها، ترى في الأمر خلطا لأوراق وأجندات اقتصادية وسياسية وايدولوجية أبعد ما تكون عن تحرير الرهائن وتبييض السجون وأمن إسرائيل وقيام الدولة الفلسطينية العتيدة.

ثمة أضرار ناجمة عن استمرار هذه الحرب الذي يروج البعض إلى إمكانية استمرارها أشهرا وربما عشر سنوا ت كما حذر الرئيس الفرنسي. تلك أضرار كارثية غير قابلة للإصلاح، ستغير النسيج الاجتماعي والتركيب الأمني لدول ضاربة الجذور في الديموقراطية كما جرى في الحادث الإرهابي الذي اقترفه فرنسي من أصل إيراني -داعشي قالوا إنه مختلّ- ببرج إيفيل بباريس راح ضحيته سائح ألماني بفأس (بلطة).

عودة اليمين إلى أوروبا وسياسة الانعزال إلى أمريكا في حال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب الذي يقال إنه عاقد العزم على الانسحاب من الناتو، ستؤدي إلى نتائج لم يحسب حسابها المخططون الحقيقيون أو الميسّرون الخفيّون أو قل المتواطئين حتى النخاع مع كارثة فاقت النكسة والنكبة مجتمعتين، وعلى مرأى ومسمع الجميع، وفي ما يسمونه بثا مباشرا وتغطية متواصلة لعمليتي أو مغامرتي «طوفان الأقصى» و «السيوف الحديدية»!! ــ الدستور

مواضيع قد تهمك