النائب رهق الزواهره : ظاهرة الجريمة تؤرق مجتمعنا
فبادئ ذي بدئ نقول ان ظاهرة الجريمة هي من أهم الظواهر السلبية المستشرية منذ بدء الخليقة، وقد كان ذلك حينما أقدم قابيل على قتل أخيه هابيل، وقد كانت تلك الجريمة المأساة التاريخية الأولى التي عرفتها البشرية منذ وجودها، وغني عن التعريف بأن الجريمة هي من الظواهر التي تعددت وتنوعت أشكالها، وقد أصبحت منظمة وواسعة الانتشار، وذلك في ظل ما يشهده العالم من حولنا من تطورات متسارعة وبخاصة في مجال ثورة تقنية الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وقد لا يخلو مجتمع من المجتمعات من هذه الظاهرة، وما من ريب أنها قد تختلف من مجتمع لآخر، ومرد ذلك كله عائد إلى منظومة القيم والعادات والتقاليد، إذ أن لكل مجتمع سمته وطبيعته وخصائصه التي يختص بها عن غيره من المجتمعات، والتي تلعب بشكل أو بأخر في تحديد مسار أنماط سلوكياته سواء أكان ذلك على مستوى الأفراد أم الجماعات.
والشيء بالشيء يذكر، فقد اعتادت البشرية–بتدرج مراحل تطورها–على أنماط مختلفة من المسلكيات الأجرامية، وقد شهدت–أيضاً–على تعاقب مراحل تطور المجتمع الانساني قاطبة أشكالاً وصنوفاً متعددة ومتنوعة من أشكال الجريمة المنظمة–بمفهومها الحديث–والتي أصبحت تؤرق مجتمعنا وتثير الهواجس والمخاوف لدى الجميع.
ومن المهم أن أشير هنا إلى أن الإنسان–كائناً من كان–يولد وهو على الفطرة السوية السليمة، والتي لا تعرف الأذى أو الأجرام، ولكن قد تساهم البيئة المحيطة به–بشكل أو بآخر–في تشكيل شخصية الفرد والتأثير فيه منذ المراحل الأولى لولادته، ذلك أن هذه المرحلة الابتدائية ذات أثر بالغ في تكوين ملامح شخصية الفرد وتحديد ميوله واتجاهاته المستقبلية.
ومع تقادم الزمن ما من شك في أن البيئة المحيطة به والتي يعيش فيها، هي التي قد تدفعهم نحو الانحراف إلى السلوك غير المستقيم، والقيام بمسلكيات سلبية وغير مقبولة لدى الآخرين والمجتمع ككل، وفي هذا السياق تستحضرني نظرية العالم إدوين لمرت وهو المتخصص في علم الاجتماع والانثرويولوجيا، والتي تفترض أن كل الأشخاص يقومون بارتكاب السلوكيات الإجرامية وذلك كنتيجة لردود أفعال المجتمع بهم تجاهم.
والمهم في الأمر أن السلوك الاجرامي، لا يعد سلوكاً يتم تناقله بالوراثة أو بسبب التكوين الخلقي أو النفسي لأي فرد من الأفراد، وإنما هو سلوك انساني مكتسب يتعلمه الفرد كأي نمط سلوكي آخر، وذلك من خلال تأثره وتأثيره في البيئة المحيطة فيه، سواء أكان ذلك على مستوى الأسرة أم الحي أم المدرسة ام المجتمع المحلي ككل.
وقد نهى الدين الاسلامي الحنيف–وبشكل قاطع–عن قتل الغير عمدا، وذلك تكريماً من الله–تبارك وتعالى–لبني آدم، إذ أن جزاء القاتل كما قال الباري- جل جلاله–في محكم تنزيل كتابه الكريم سيكون حتماً نار جهنم وبئس المهاد والمصير، ذلك أن الخلق حينما خلق الإنسان قد خلقه ليجعل منه خليفة له في الأرض فيعمرها، لا أن يسفك الدماء ويعيث فيها فساداً وافسادا، ويثر الهلع والفزع بين الناس المسالمين الآمنين.
ولكي يتحقق الأمن في المجتمع ويستتب، فقد نهى الإسلام عن القيام بالأعمال السلبية، والتي تثير الخوف والذعر بين الناس كالإيذاء أو القتل أو التجسس أو سوء الظن ونحوهما، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمنون من آمنه الناس على دمائهم وأموالهم) كذلك قال عليه الصلاة والسلام (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده) وبقي أن أذكر بقول رسولنا الكريم (لا يحل لمسلم أن يروع مسلما).
ولتوضيح معالم الصورة أكثر فأكثر، فإن ظاهرة القتل والأخذ بالثأر ترجع إلى ما قبل قيام دولة الإسلام، ولكن أمتد أثرها وأصبحت عادة متوارثة، وذلك على الرغم من تحريم الدين الاسلامي الحنيف وتعاليمه السمحة لها، والذي اعتبرها جريمة قد تفتك بالمجتمع البشري وتبيده ككل، لذلك شرعت الشريعة الإسلامية استناداً إلى نصوص قرآنية كريمة–قطعية الثبوت والدلالة–تحريم القتل، وقد شرعت عقوبة القصاص العادل، والذي تتكفل الدولة بتنفيذه على الجميع سواء بسواء، وهذا هو الأمر المطبق في جميع الدول الإسلامية، إلا أن هناك حالات شاذة لا تستطيع ?لدولة فرض السيطرة عليها وبخاصة في ثورة الدم.
وفي سياق متصل لعل من المناسب الإشارة إلى أن أسباب الجريمة ناتجة بشكل أساسي عن ضعف الوازع الديني والأخلاقي، والعيش في بيئة فاسدة، وغيرها من الأسباب التي تؤدي إلى الوصول إلى هذه المرحلة من الإجرام، ولعل أن أهمها على الإطلاق تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والتي من أبرزها تفشي الفقر والبطالة، وهو الأمر الذي يجعل الأفراد نتيجة الفراغ إلى الجنوح نحو تعاطي المخدرات أو المسكرات، أو القيام بأفعال منافية للحياء العام، أو السرقة أو الأحتيال ونحوهما، لذلك فمن الطبيعي أن تختلف طبائع البشر وتختلف نظرتهم إلى الأمور م? شخص لآخر.
ولعل أن ما يثير علامات الدهشة والاستغراب هو جنوح بعض من أفراد مجتمعنا وبسرعة متناهية نحو ارتكاب الجرائم المنظمة، والتي أصبحت تتزايد يشكل ملحوظ، وذلك على الرغم من فرض الدولة الأردنية سلطة القانون واقرار العقوبات الجزائية الرادعة، وبحسب الدراسات فإن مرد ذلك عائد إلى التغيرات البنوية والتي أصابت المجتمع الأردني نتيجة للموجات الهجرية القسرية التي داهمتنا إذ أصبحنا نشهد في كل يوم جريمة مروعة تهز الشارع الأردني وتشغل بال الرأي العام، والتي تتساءل لماذا تفاقت الجريمة في الأردن بهذه السرعة الهائلة، وعن الحلول الجذ?ية للقضاء أو التخفيف من هذه الظاهرة الفتاكة. ــ الراي