الأخبار

كيف ينظر الحكيم لمحورية العلاقة مع السعودية؟

كيف ينظر الحكيم لمحورية العلاقة مع السعودية؟
أخبارنا :  

عندما وصل زعيم "تيار الحكمة الوطني" العراقي، السيد عمار الحكيم، إلى مطار الملك عبد العزيز الدولي، بمدينة جدة غرب السعودية، 18 أغسطس الجاري، لم يكن قدومه إلى المملكة مجرد زيارة بروتوكولية محضة، بل تأتي في سياق سعي تياره لبناء علاقات قوية ومستدامة مع الرياض، كون "الحكيم ينظر للسعودية بوصفها دولة إسلامية مركزية مهمة، وإحدى أعمدة الاستقرار في المنطقة، وأن العلاقات المتميزة بين بغداد والرياض فيها مصلحة للشعبين الشقيقين"، كما قال لـ"العربية.نت" مصدر من "تيار الحكمة".

عمار الحكيم والسفير السعودي في العراق عبد العزيز الشمري

عمار الحكيم والسفير السعودي في العراق عبد العزيز الشمري

رسائل الرياض!

استقبال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لعمار الحكيم، وبحث العلاقات الثنائية بين السعودية والعراق، يبعث رسائل بأن الرياض منفتحة على مختلف التيارات الوطنية العراقية، وأن هدفها هو وجود دولة مركزية قوية، على علاقات حسنة مع دول الجوار، وتعمل على التنمية وبناء اقتصاد قوي، تحتكم للقانون، وتحصر السلاح بيدها، وتمنع المليشيات من تحويل العراق لمنصة للاعتداء على دول الجوار، لأن استمرار بعض الأطراف في الداخل العراقي العمل وفق أجندات خارجية، وتحديداً إيرانية، لا يصب في مصلحة أمن المنطقة، كون عدد من هذه الجهات تعلن صراحة عداءها للمملكة في خطابها الإعلامي، الأمر الذي يستدعي العمل على ضبطها بقوة النظام والقانون.

إذن، الزيارة "ليس لها علاقة بالأزمة السياسية الراهنة في العراق"، بحسب حديث رئيس "مؤسسة سومر للشؤون الدولية" د.محمد الشمري، لصحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية، معتبراً أن السياسة السعودية اليوم هي "أكثر انفتاحاً على كافة المكونات العراقية"، معتقداً أن الرياض "ترغب بإرسال رسالة أنها قريبة من كل الأطراف العراقية، كجزء من سياستها تجاه العراق".

الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز مستقبلاً عمار الحكيم

الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز مستقبلاً عمار الحكيم

العمل السياسي!

على الرغم من أن آل الحكيم انخرط العديد من قياداتهم الدينية والسياسية في الشأن العام إبان فترة حكم "حزب البعث"، وتحديداً خلال حقبة حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين؛ وتعرض العديد من أفراد العائلة للسجن والإعدام والملاحقات، الأمر الذي جعل جزءا منهم ينخرط في "العمل المعارض" ويلجأ إلى إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية 1979، هرباً من "بطش صدام"، إلا أنه رغم ذلك يعتبر البعض أن ما حصل "كان نتيجة الظروف الصعبة التي مر بها العراق"، كما قال ليَّ في حديث مباشر معه، أحد العارفين بالعائلة، مضيفاً "لقد كان نظام صدام حسين قاسياً في تعامله مع العراقيين، وبسبب ذلك اضطر عدد من أبناء المرجع السيد محسن الحكيم للانخراط في العمل السياسي المباشر، رغم أن المرجع الأعلى لم يكن يؤيد النشاط الحزبي أو أن يكون علماء الدين جزء من الأحزاب"، مضيفاً "لقد كان الحكيم زعيما دينياً ومرجعاً يعمل على رعاية مصالح الناس، وفق الأعراف التقليدية التي كانت في الحوزة العلمية بالنجف، إلا أن الصراعات السياسية التي مر بها العراق، دفعت نحو خيارات لم تكن معتادة في عرف النجف وبيوتات المرجعيات الكلاسيكية".

الراحل الملك فهد بن عبد العزيز مستقبلاً السيد محمد باقر الحكيم

الراحل الملك فهد بن عبد العزيز مستقبلاً السيد محمد باقر الحكيم

ترسيخ الاستقرار!

السيد محمد باقر الحكيم، أحد أبرز أبناء المرجع الحكيم، والذي اغتيل في تفجير دموي بمدينة النجف، العام 2003، كان يأتي في زيارات مستمرة إلى السعودية أثناء موسم الحج، ورغم أنه لم يكن يحلُ في الضيافة الحكومية الرسمية، إلا أن الرياض كانت تتكفل بدفع التكاليف كاملة لسكنه، احتراماً وإكراماً له.

أحد مرافقيه السعوديين، يخبرني عنه، قائلاً "عندما كنا نخرج للمشي في الليل، كان الحكيم يقول لي، لو عاد بنا الزمن للوراء، لما جرى ما جرى"، مضيفاً "كان السيد محمد باقر الحكيم يعتصر قلبه ألماً على حال العراق، وفي ذات الوقت كان يعاني من الضغوطات السياسية للإيرانيين، خصوصاً أنه كان يقيم في طهران، وفي ذات الوقت لا يريد أن يكون تحت إملاءات ساسة إيران".

السيد محسن الحكيم أثناء زيارته السعودية لأداء مراسم الحج، وفي استقباله وزير الداخلية حينها الأمير فهد بن عبد العزيز والوفد المرافق له

السيد محسن الحكيم أثناء زيارته السعودية لأداء مراسم الحج، وفي استقباله وزير الداخلية حينها الأمير فهد بن عبد العزيز والوفد المرافق له

لقد كان الحكيم، ينظر لأهمية أن تكون هنالك سياسة عراقية وعربية مستقلة، تقدم مصالحها الوطنية، وغير تابعة لـ"ولاية الفقيه". ولذا، كان "يستغرب ويستنكر انتماء بعض شباب الكويت الشيعة في تنظيم حزب الله الكويت"، بحسب ما نقل ليَّ مصدرٌ مقربُ منه، مضيفاً "كان يقول شنو يريد هؤلاء؟ عايشين في أمن وخير ورفاهية! احنا انخرطنا في السياسة لأنه عندنا صدام، ولو ما كان صدام ما اشتغلنا سياسة".

هذا الموقف يتبناه أيضاً أخوه الراحل السيد مهدي الحكيم، الذي أقام لسنوات طويلة في إمارة دبي، بالإمارات العربية المتحدة، حيث كان يرى أنه "لا يجوز للإماراتيين الشيعة العمل ضد حكومتهم، وأنه حرام عليهم الانخراط في المعارضة السياسية، فهم يعيشون في ظل دولة وفرت لهم وسائل الرفاهية والأمن والاستقرار"، بحسب شخصية كانت على علاقة مع الحكيم روت ليَّ نزراً من سيرته.

إذن، هنالك استراتيجية ثابتة تقوم على أهمية حفظ الأمن والاستقرار والعلاقات الحسنة بين المواطنين الشيعة وحكوماتهم في الخليج العربي، ورفض أن يكون الشيعة في عزلة أو انكفاء عن محيطهم الوطني، وهذه الرؤية أعاد التأكيد عليها عمار الحكيم في خطاب له، العام 2021، قائلاً "إن المسلمين الشيعة في العراق وفي المنطقة العربية وفي كل مكان، سيتمسكون بخيار الدولة والمواطنة وسيستوفون حقوقهم في ظل دولهم لا بمعزل عنها.. فهم جزء رئيس وأصيل من أوطانهم، وعليهم أن يشاركوا في صنع القرار بوصفهم بُناة دولة وأمة، لا بوصفهم أبناء طائفة منعزلة أو منغلقة أو مرتبطة بخارج الحدود".

هذه الركائز "الوطنية" في خطاب الحكيم، رصدها تقرير سابق، نشرته "العربية نت" 28 إبريل 2021، بعنوان "الحكيم.. مساعي تيار الحكمة لترسيخ استقلالية الشيعة العرب".

مهدي الحكيم

مهدي الحكيم

علاقات تاريخية

عندما كان عمار الحكيم رئيساً لـ"المجلس الأعلى الإسلامي"، زار العاصمة السعودية الرياض، إبريل 2010، حيث استقبله الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، في حضور وزير الخارجية السابق الأمير سعود الفيصل.

بدوره، الراحل المرجع الديني السيد محسن الحكيم، حينما أدى مناسك الحج في عهد الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز، كان في مقدمة مستقبليه الأمير فهد بن عبد العزيز آل سعود، الذي كان وزيراً للداخلية حينها - والذي أصبح تالياً ملكاً للسعودية بعد أخيه الملك خالد بن عبد العزيز - وكان بمعيتهِ في الاستقبال د.رشاد فرعون المستشار الخاص للملك فيصل بن عبد العزيز، والسيد أحمد عبد الوهاب رئيس المراسم الملكية.

هذه العلاقات القائمة على الاحترام، والهادفة إلى ترسيخ "السلم الأهلي" في الخليج العربي، استمرت في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حيث التقى عمار الحكيم أكثر من مرة بالسفير السعودي في العراق عبد العزيز الشمري.

وفي أعقاب لقاء بين الشمري والحكيم، جرى في يونيو 2018، غرد الحكيم في حسابه بمنصة "تويتر"، قائلاً "دعونا خلال استقبالنا سفير المملكة العربية السعودية أ.عبد العزيز الشمري، إلى تعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات". كما أن زعيم تيار "الحكمة" أعلن في أكثر من مناسبة دعمه جهود حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، في مساعيها إقامة أفضل العلاقات مع الرياض والعواصم الإقليمية.

الانفتاح السعودي على العراق، يجب أن يستفيد منه الساسة العراقيون في بناء علاقات وثيقة مع دول الخليج العربية، وتغليب المصالح الوطنية، والحد من فوضى الميليشيات والصراعات الحزبية، التي لن يستفيد منها المواطن العراقي شيئاً، بل ستزيد من أزماته الاقتصادية والأمنية والسياسية. ــ العربية نت

مواضيع قد تهمك