د. ايوب ابو دية : كيف أوصل الدعم الشعبي والقيادي والإدارة الاحترافية كرة القدم الأردنية إلى العالمية؟
شهدت كرة القدم الأردنية في السنوات الأخيرة مرحلةً غير مسبوقة من النجاحات، أعادت تعريف موقع الأردن على خارطة كرة القدم الآسيوية والعربية والدولية. هذه النجاحات لم تكن وليدة المصادفة أو نتاج لحظة عابرة، بل جاءت نتيجة تراكم طويل من العمل المؤسسي، والدعم القيادي، والتخطيط الاستراتيجي، وهي عوامل تلاقت بوضوح عند قراءة قصة نهوض كروي حقيقي، قوامه اللاعب الموهوب، والإدارة الواعية، والرؤية الوطنية الشاملة.
يُعد عام 2013 نقطة تحول كبرى في تاريخ المنتخب الأردني، حين بلغ "النشامى” الملحق القاري المؤهل لكأس العالم 2014، في أعلى مستوى تنافسي وصلت إليه كرة القدم الأردنية حتى ذلك الوقت. جاء هذا الإنجاز بعد سنوات من الاستقرار الفني، والاعتماد على الدوري المحلي كمصدر أساسي للمواهب، إضافة إلى نهج تدريبي احترافي ركز على الانضباط والهوية التكتيكية. كان ذلك الجيل نموذجًا لما يمكن أن يحققه المنتخب عندما يحل التخطيط محل الارتجال.
أما الذروة الثانية، التي تتجلى ملامحها في عام 2025، فهي نتيجة طبيعية للأثر طويل الأمد للإصلاحات التي أعقبت الإنجاز التاريخي في كأس آسيا 2023، عندما حل المنتخب الأردني وصيفًا للقارة. هذا الإنجاز لم يكن مجرد نتيجة رياضية، بل كان إعلانًا واضحًا عن دخول الأردن مرحلة جديدة من النضج الكروي، عنوانها الاحتراف، والانتشار الدولي، وتعزيز الثقة الوطنية بالمنتخب.
أحد أبرز أسباب هذا النجاح يتمثل في الدعم القيادي الرفيع الذي حظيت به كرة القدم الأردنية. فقد لعب سمو الأمير علي بن الحسين، رئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم، دورًا محوريًا في ترسيخ مفهوم الحوكمة الرياضية، وربط كرة القدم الأردنية بالمؤسسات الدولية، وعلى رأسها الفيفا والاتحاد الآسيوي. رؤيته لم تقتصر على النتائج، بل شملت بناء منظومة متكاملة تُعنى باللاعب منذ القاعدة وحتى المنتخب الأول.
كما كان لإشراف ودعم سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، ولي العهد، وسمو الأمير هاشم بن عبد الله الثاني، أثر بالغ في رفع الروح المعنوية، وتعزيز حضور المنتخب كرمز وطني جامع. هذا الدعم العلني والمستمر منح اللاعبين شعورًا بالمسؤولية والفخر، ورسّخ علاقة استثنائية بين المنتخب والجماهير، تُرجمت إلى دعم جماهيري هائل داخل الملاعب وخارجها.
إلى جانب القيادة، برز الدور الإداري الاحترافي بوصفه ركيزة أساسية في هذا النجاح، ويتجسد ذلك بشكل واضح في شخصية سمر نصار، الأمين العام للاتحاد الأردني لكرة القدم. سمر نصار، الرياضية الأردنية والأولمبية السابقة في السباحة، تمثل نموذجًا فريدًا للقيادة الإدارية الحديثة في الرياضة. توليها منصب الأمين العام عام 2020 كأول امرأة في تاريخ الاتحاد لم يكن مجرد إنجاز رمزي، بل بداية لمرحلة جديدة من العمل المؤسسي القائم على التخطيط والاستدامة.
خبرتها الواسعة، التي تشمل رئاسة البعثة الأردنية في أولمبياد لندن 2012، وقيادة اللجنة المنظمة لكأس العالم للسيدات تحت 17 سنة عام 2016، مكّنتها من نقل أفضل الممارسات الدولية إلى كرة القدم الأردنية. وقد انعكس ذلك في تعزيز التخطيط الاستراتيجي، ودعم استمرارية الأجهزة الفنية، وتطوير الكوادر الإدارية، إضافة إلى تحسين الجوانب التجارية والتسويقية للمنتخب.
كما أسهم حضورها داخل أروقة الفيفا والاتحادات القارية في رفع مكانة الأردن في الحوكمة الرياضية الإقليمية، وتعزيز شبكة العلاقات الدولية، ما أتاح فرص مباريات نوعية، ومعسكرات متقدمة، وانتشارًا إعلاميًا أوسع للمنتخب الأردني.
نتائج هذا النجاح لم تقتصر على المستطيل الأخضر، بل امتدت إلى مجالات اقتصادية وسياحية وثقافية. فانتشار اسم الأردن عالميًا، وارتفاع الاهتمام الدولي بالمنتخب، أسهما في تعزيز صورة المملكة كوجهة رياضية واعدة. ويأتي الإعلان عن مواجهة مرتقبة أمام منتخب الأرجنتين في ولاية تكساس العام القادم مثالًا حيًا على هذا الحضور الدولي المتنامي، حيث تُعد مثل هذه المباريات منصة عالمية للترويج للأردن، ثقافيًا وسياحيًا، أمام جماهير واسعة.
هذا الزخم يفتح الباب أمام مستقبل غني بالنشاطات الرياضية الكبرى في الأردن، من استضافة بطولات دولية، إلى إقامة معسكرات تدريب، وتطوير السياحة الرياضية بوصفها قطاعًا واعدًا. ومع وجود بنية تحتية متنامية، وخبرة تنظيمية مثبتة، يصبح الأردن مؤهلاً ليكون مركزًا إقليميًا للرياضة، كما هو اليوم مؤهلا للسياحة التاريخية والعلاجية والترفيهية.
في المحصلة، فإن نجاحات المنتخب الأردني في السنوات الأخيرة هي ثمرة توافق نادر بين القيادة الداعمة، والإدارة الاحترافية، والجمهور الواعي المتحمس، واللاعب الطموح. هي قصة تؤكد أن كرة القدم الأردنية تبلغ ذروتها عندما يُدار الطموح بعقلانية، وتُبنى الإنجازات على التخطيط لا المصادفة أو الواسطة. وبين 2013 و2025، كتب "النشامى” فصلًا جديدًا من تاريخ الرياضة الأردنية، فصلًا عنوانه: الاستدامة، والطموح، والحضور العالمي.
يُعتبر عام 2025 ذروةً في تاريخ كرة القدم الأردنية، إذ تزامنت فيه عواملٌ عديدة، منها اكتشاف المواهب، واستقرار الجهاز الفني، والدعم المؤسس. إنجازات هذا العام تعكس هذه الذروة لأثر طويل الأمد للإصلاحات التي أعقبت الفوز بكأس آسيا 2023 (المركز الثاني)، بما في ذلك تطوير اللاعبين، والانتشار الدولي، والاحتراف، وتعزيز الثقة على المستوى الوطني. ببساطة: تبلغ كرة القدم الأردنية ذروتها عندما يحل التخطيط محل الارتجال، وانجازات الأعوام الأخيرة خير مثال على هذا التوافق. تمام . مع تمنياتنا لفريقنا الوصول إلى أدوار متقدمة في بطولة كاس العالم .