الأخبار

د. ناديا محمد نصير : فخر الهاشميين والأردنيين بمنتخب الوطن

د. ناديا محمد نصير : فخر الهاشميين والأردنيين بمنتخب الوطن
أخبارنا :  

حين أُطلقت صافرة النهاية، لم يكن ما انتهى مجرد مباراة، بل لحظة وطنية كثيفة بالمعاني. لحظة توقّف فيها الزمن الرياضي، وبدأ زمن آخر أكثر عمقًا، زمن التقييم الهادئ، والشعور المتزن، والفخر الذي لا يحتاج إلى ضجيج ليُثبت نفسه.

المنتخب الأردني دخل الملعب وهو يحمل اسم وطن وتاريخ ومسؤولية، وخرج منه وهو يرسّخ صورة فريق يعرف قيمة ما يمثّل. لم يكن الأداء بحثًا عن مجد عابر، بل التزامًا حقيقيًا بقيم الانضباط، والعمل الجماعي، والتمثيل المشرف. وهذا ما جعل المشاعر العامة تتجه نحو الاعتزاز لا الانفعال، ونحو التقدير لا التقلّب.

في علم النفس الجمعي، تُعد المنتخبات الوطنية أحد أهم رموز الهوية المشتركة، لأنها تختصر الشعور بالانتماء في مشهد واحد. وما فعله النشامى أنهم نجحوا في إعادة هذا الشعور إلى الواجهة، وجمعوا الناس على اختلافهم في لحظة متابعة واحدة، تَوحّد فيها الإحساس، وهدأت فيها الفوارق.

ما ميّز أداء المنتخب الأردني كان وضوح الشخصية داخل الملعب. شخصية متزنة، لا تستعرض ولا تتراجع، تعرف متى تضغط ومتى تحافظ على تماسكها. هذا النوع من الأداء لا يُبنى فقط بالتدريب البدني، بل بالاستعداد النفسي، وبالثقة المتبادلة بين اللاعبين، وبالإحساس العميق بالمسؤولية تجاه الشعار الذي يُحمل على الصدر.

وهنا يتجلّى الفخر الهاشمي في أبهى صوره. فالأردن، بقيادته الهاشمية، رسّخ عبر تاريخه مفهوم التمثيل المشرف قبل أي اعتبار آخر. مفهوم يقوم على الثبات، واحترام الذات، والالتزام بالقيم حتى في أكثر اللحظات ضغطًا. والنشامى جسّدوا هذا المفهوم بسلوكهم وأدائهم، دون مبالغة أو افتعال.

تحية تقدير للمنتخب الأردني بكل مكوّناته.

تحية للاعبين الذين واجهوا الضغط بثبات أعصاب.

تحية للجهاز الفني الذي عمل ضمن ظروف دقيقة وتوقعات عالية.

وتحية لكل من ارتدى القميص الوطني وهو يدرك أن خلفه شعبًا كاملًا يراقب ويثق.

وما يجعل هذا الشعور بالفخر صادقًا وغير مؤقت، هو أن النشامى لم يلعبوا بمعزل عن واقعهم. لعبوا وهم أبناء هذا المجتمع، يشعرون بتحدياته، ويدركون حجم التوقعات المعلّقة عليهم. هذا الوعي منح الأداء بعدًا إنسانيًا حقيقيًا، وجعل كل دقيقة في الملعب فعل تمثيل واعٍ، لا مجرد مشاركة رياضية.

ومن منظور نفسي، قدّم المنتخب الأردني نموذجًا ناضجًا لإدارة الضغط العالي. الضغط لم يتحول إلى ارتباك، ولم يُترجم إلى توتر منفلت، بل بقي ضمن حدوده الصحية التي تدفع إلى التركيز والانضباط. وهذه مهارة نفسية أساسية، لا تقل قيمة عن أي مهارة فنية، وغالبًا ما تكون العامل الحاسم في ثبات الفرق تحت الظروف الصعبة.

كما قدّم المنتخب نموذجًا صحيًا لما يُعرف بالتوازن الانفعالي الجمعي. إذ لم تُبنَ العلاقة بين الجمهور والمنتخب على المثالية المفرطة أو التوقعات المطلقة، بل على الواقعية والدعم. هذا النوع من العلاقة يقلّل من خيبات الأمل الحادة، ويعزّز الثقة طويلة الأمد، ويخلق بيئة نفسية داعمة تسمح بالتطور بدل الاستنزاف العاطفي. وحين يشعر اللاعب أنه مدعوم لا مُحاسَب فقط، يصبح أكثر قدرة على العطاء وأكثر ثباتًا في الأداء.

ولا يمكن إغفال الدور المعنوي الذي لعبه هذا المنتخب في لحظة إقليمية ودولية مثقلة بالتوتر. ففي زمن تتزاحم فيه الأخبار القاسية وتُرهق النفوس بتتابع الأزمات، جاءت متابعة المنتخب الأردني كمساحة نفسية جامعة، أعادت للناس شيئًا من التوازن، وذكّرتهم بأن الانتماء النظيف والفرح الهادئ ما زالا ممكنين. وحين تؤدَّى الرياضة بهذا المستوى من المسؤولية، تتحول إلى خدمة وطنية غير مباشرة.

كما رسّخت هذه التجربة صورة المنتخب كمرجعية إيجابية للشباب. ففي زمن تتكاثر فيه النماذج السريعة والهشّة، قدّم النشامى نموذجًا قائمًا على الصبر، والعمل الجماعي، واحترام الدور، والالتزام حتى اللحظة الأخيرة. وهي قيم حين تُمارس أمام الجميع، تتحول إلى رسالة تربوية عميقة تتجاوز حدود الملعب.

ولهذا، لم تكن ردّة فعل الشارع الأردني انفعالية أو متقلبة، بل متزنة وناضجة. شعور عام بالفخر، وإحساس جماعي بأن هذا المنتخب يسير في الاتجاه الصحيح، اتجاه يُشبه الأردن في هدوئه، وثباته، وقدرته الدائمة على الوقوف بكرامة مهما كانت الظروف.

صافرة النهاية أعلنت نهاية زمن المباراة، لكنها لم تُنهِ الأثر.

بقي الفخر، وبقي الاعتزاز، وبقي الشعور بأن هذا المنتخب يُمثّلنا كما نحب.

النشامى ما قصّروا.

وهم اليوم، وبكل وضوح، فخر الهاشميين وفخر الأردنيين جميعًا.

ــ الراي


مواضيع قد تهمك