ماجد الفاعوري : الأردن ليس طفرة
يخطئ من يصر على توصيف ما يقدمه المنتخب الأردني في كأس العرب على أنه طفرة عابرة أو صدفة رياضية أو لحظة حظ مؤقتة لأن الطفرات تولد فجأة وتموت فجأة أما الأردن فقد شق طريقه بعمل تراكمي طويل شاق ومكلف بالإرادة لا بالمال وبالعقل لا بالضجيج وبالصبر لا بالاستعراض
الأردن لم يستيقظ ذات صباح ليجد نفسه في نهائيات كأس العرب ولم يقفز قفزا فوق المنطق والتاريخ بل عمل داخل منظومة أردنية واحدة متماسكة بدأت من حسن الاختيار ومرت بتأهيل اللاعبين وصقلهم نفسيا وبدنيا وانتهت بتوظيف القماشة المتاحة بأعلى درجات الذكاء والمسؤولية الوطنية
من يختزل التجربة الأردنية بكلمة طفرة يجهل أو يتجاهل حجم العمل الذي جرى في غرف مغلقة وعلى ملاعب ترابية وفي معسكرات بلا ترف ولا بهرجة ويغفل أن هذا المنتخب خرج من رحم المعاناة لا من خزائن المال وأن الروح القتالية التي يحملها اللاعب الأردني ليست مادة تشترى بل هوية تتشكل عبر الزمن
الأردن اليوم يصنف بين أكثر المنتخبات عنادا وصلابة وقوة ذهنية في المواجهات الكبرى منتخب يعرف كيف يدافع وكيف يهاجم وكيف يصبر وكيف يضرب في اللحظة المناسبة وهذا لم يكن ليحدث لولا وجود جهاز فني أحسن قراءة الإمكانات ووظف اللاعبين وفق قدراتهم لا وفق أسمائهم ومنح القميص الوطني لمن يستحقه لا لمن يطالب به
أما أولئك الذين يرددون أن الأموال تصنع لاعبين وتصنع فكرا كرويا فهم واهمون لأن المال قد يبني منشآت لكنه لا يبني رجالا وقد يشتري نجوما لكنه لا يشتري انتماء ولا يخلق روحا تقاتل حتى الدقيقة الأخيرة الأردن لم يمتلك الوفرة المالية لكنه امتلك وضوح الهدف وصدق النية والالتزام بالمشروع
هذا المنتخب يمثل صورة الأردن الحقيقي بلد يعمل بصمت يتقدم ببطء لكنه لا يتراجع يعرف حدوده لكنه يتحدى الممكن ويحول القلة إلى قيمة والقيمة إلى إنجاز لذلك فإن ما نراه اليوم ليس طفرة بل حصاد عمل وطني طويل يعرف الأردنيون معناه جيدا
الأردن ليس حالة عابرة في سجل البطولة بل رقم صعب في معادلة الكرة الإقليمية له وزنه وثقله واحترامه ومن لا يزال يصر على إنكار ذلك سيصطدم بالواقع مرة بعد مرة لأن الميدان لا يكذب والتاريخ لا يرحم المتعجلين في أحكامهم
هذا هو الأردن وهذا نهجه وهذا عهده أن يرفع رايته بجهد أبنائه وأن يحضر حيث يظن الآخرون أنه لن يحضر وأن يثبت أن العمل الصادق أقوى من كل أوهام الطفرات والعرافين والمنجمين