ندوة تعاين مفاهيم وطبيعة "الشعوبيات" وتحدياتها وسبل مواجهتها ديمقراطيا
عاينت ندوة حوارية بعنوان: "مصير الديمقراطية في مواجهة الشعوبيات"، عقدت في منتدى مؤسسة عبدالحميد شومان الثقافي، بالتعاون مع مؤسسة الفكر العربي، مفاهيم وطبيعة "الشعوبيات" وتحدياتها وسبل مواجهتها في الأطر الديمقراطية.
وشارك في الحوارية مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في مصر، نبيل عبد الفتاح، ونائب رئيس الوزراء اللبناني، الدكتور طارق متري، والأكاديمية والعضو السابق في مجلس الأعيان الأردني الدكتورة ميسون العتوم، وقدم وأدار الندوة أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور بدر الماضي.
وناقش المشاركون، في الندوة التي حضرها نخبة من السياسيين والمفكرين والأدباء والمهتمين، الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية لظاهرة الشعبوية التي برزت على امتداد العقدين الأخيرين، ما أدت إلى تأثيرات واسعة على الأنظمة الديمقراطية في العالم.
وأشار عبد الفتاح إلى أن السياسات الشعبوية والسلطوية ظواهر تاريخية، برزت في نهاية القرن التاسع عشر بأميركا من خلال حزب الشعب، وروسيا، وفرنسا، ثم في الحرب العالمية الثانية، ومع "البيرونية"، وارتحلت بعض أفكارها إلى الدول والنظم السياسية السلطوية ما بعد الكولونيالية على صعيد ما كان يطلق عليه قديما العالم الثالث.
وبين أن الشعبوية هو واحد من المصطلحات الأساسية الشائعة في اللغة السياسية والإعلامية خاصة في العقدين الأخيرين، موضحا أنه على الرغم من تاريخية المصطلح، وتجاربه، وتجسداته، إلا أنه يتسم بالعمومية، وأحكام القيمة السلبية والإيجابية بين ثنائية ضدية -المديح والازدراء-، والوصم بالغوغائية السياسية.
وقال إنه في ضوء تجارب النظم والسياسات الشعبوية المقارنة، والفحص النقدي والتحليلي للتعريفات المختلفة للشعبوية، فيمكن تعريفها على أنها: "سردية خطابية سائلة، تعتبر أنها تمثل المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للشعب/ الأمة، في مواجهة النخب السياسية والاقتصادية المسيطرة عبر الشركات الكبرى والمصارف والأجهزة الإعلامية والمؤسسات التي تمثلها، والتي تزدري الشعب ومصالحه، لتحقيق مصالحها، وتجعل من الديمقراطية الليبرالية محض واجهات لا مضمون لها في الواقع السياسي الفعلي".
الدكتور متري لفت إلى الخلط بين مفهومي الديماغوجيا والشعبوية، وهو أمر غير مستغرب نظرا للتقاطع بينهما، موضحا أن "الديماغوجيا تشير إلى التعبئة السياسية بطريقة تتوسل مخاطبة المشاعر وإثارة الغرائز وإطلاق الوعود غير الواقعية وصناعة المخاوف والنقمة وادعاء التجاوب معها".
وتابع أن الديماغوجي يصنع المخاوف ثم يدعي أنه يتجاوب معها ويحترمها وسيعمل على تبديدها بوعود غير واقعية، بينما الشعبوية توظف الديماغوجية حسب الحاجة.
وأوضح أن الشعبوية هي "ايدولوجيا بسيطة النواة محدودة التبلور والسمة الغالبة في كل الحركات الشعبوية وترى المجتمع بصورة فئتين منفصلتين، بل متعارضتين.
بدورها، تناولت العتوم آليات مواجهة الشعبوية، وقالت إن "المواطن هو المخول الوحيد بمواجهة المشروع الشعبوي، وهو القادر الذي يمارس العمل في المجال العام والديمقراطية".
ودعت إلى مراجعة وبناء القوانين وتحصينها وتدعيمها ومراقبتها، وتحفيز وسائل الرقابة، مشيرة إلى وسائل رقابية تتوافر عليها المجتمعات ومنها المحاكم الدستورية والنقابات وغيرها.
كما دعت إلى صناعة مواطن يكون حاضرا ويعمل من أجل كسب رهان الديمقراطية والتقدم، ويستطيع أن يواجه ولا يكتفي كما تريد له الشعبوية أن يكون.
المدير العام لمؤسسة الفكر العربي الدكتور هنري العويط، أشار في كلمته إلى أن "الشعبوية" ليست ظاهرة جديدة، بل هي ظاهرة قديمة متجددة، وليست تيارا واحدا مفردا، بل هي منظومة شعبويات.
وقال: "عرفت المجتمعات البشرية في مراحل سابقة أشكالا مختلفة من الشعبويات، وفي أوروبا وأميركا الجنوبية وغيرها من مناطق العالم، أما الجديد الذي تتسم به اليوم، فهو ما طرأ على مصطلح الشعبوية ومفهومه من تطور، وما تشهده التيارات الشعبوية من حيوية وتنام وتوسع في رقعة الانتشار، وما تراكمه أحزابها من انتصارات، فضلا عن تنوع أشكال وأنماط تتجسد فيها وتعدد المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تخوض فيها".
--(بترا)