الأخبار

رغيد الططري الذي أمضى أطول مدة في السجون السورية يريد العدالة لا الانتقام

رغيد الططري الذي أمضى أطول مدة في السجون السورية يريد العدالة لا الانتقام
أخبارنا :  

دمشق: اعتُقل رغيد الططري، السجين السياسي الذي أمضى أطول مدة في الاعتقال في سوريا، حين كان يبلغ من العمر 26 عاماً، وبقي خلف القضبان 43 عاماً، إلى حين سقوط حكم عائلة الأسد، وهو أمر لم يكن ليخطر في باله حتى في المنام.

يوم أطاح تحالف فصائل معارضة ببشار الأسد، الذي فرّ إلى موسكو في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، خرج الططري، الذي كان طياراً سابقاً في سلاح الجو ومحكوماً بالمؤبد، من السجن، على غرار نحو 60 ألف معتقل كشفوا فظاعات ممارسات السلطات مع المعتقلين. بينما لا يزال عشرات آلاف غيرهم في عداد المفقودين.

رغيد الططري: لم نكن نخاف من التعذيب، كنا نتمنى الموت، لا مشكلة. المشكلة كانت أن ينهار الشخص ويقول كلاماً يناقض المبادئ التي يؤمن بها

ويقول الططري، الذي يبلغ من العمر اليوم 70 عاماً، وقد غزا الشيب شعره وشاربيه: "لقد رأيت الموت” تحت التعذيب.

لكن الرجل يؤكد أن ما يريده من سجّانيه ليس الانتقام، بل العدالة. ويضيف: "كلّ شخص يجب أن يُحاسب على جرائمه (…). لا نريد أن يُسجن أحد إلا إذا ثبتت عليه جرائم موثوقة”.

ويكمل: "لسنا ضد المحاسبة، نحن ضد الظلم… لا نريد أن يُسجن أحد ظلماً”.

في شقته الصغيرة في دمشق، يُقلّب الططري صوراً له عندما كان شاباً بزيّ الطيّار، قبل اعتقاله في العام 1981.

بعد توقيفه، أُدين في محكمة ميدانية بتهمة "التخابر مع دول أجنبية” وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، وهي تهم يؤكد الططري أنها مختلقة.

وخلال سنوات اعتقاله، نُقل من سجن إلى آخر في عهد حافظ الأسد، ثم ابنه بشار، الذي خلفه في العام 2000.

كان الططري بين الضباط المناهضين لدخول الجيش السوري إلى لبنان في العام 1976، بهدف وقف تقدم الفصائل الفلسطينية واليسارية اللبنانية، ويعتبر أن "الجيش السوري تدخّل في شؤون بلد آخر (…)، وقمع الشعب اللبناني، وهو ما رفضناه”.

وناهض كذلك القمع الدموي لـ "الإخوان المسلمين” الذين قادوا انتفاضة مسلحة في مدينة حماة مطلع الثمانينات. ويقول: "كُثر منّا كانوا رافضين إشراك الجيش في عمليات سياسية داخل البلد كما خارجه”.

بعد انشقاق اثنين من زملائه الطيارين وهروبهما إلى الأردن في العام 1980، بدأت الاعتقالات في أوساط الجيش، فهرب هو أيضاً إلى مصر ثم الأردن، لكنه عاد بعدما بدأت قوات الأمن بمضايقة عائلته، ليُعتقل.

نتمنى الموت

وفقاً لتقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان، عاش أكثر من مليوني سوري تجربة السجن تحت حكم عائلة الأسد، نصفهم بعد انطلاق الاحتجاجات السلمية في العام 2011، التي قمعتها السلطات بعنف وشكّلت شرارة اندلاع النزاع في البلاد.

ولقي أكثر من 200 ألف شخص حتفهم في السجون، بينهم من أُعدم، بينما قضى آخرون تحت التعذيب، بحسب المرصد.

ويقول الشريك المؤسس لرابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، دياب سرية، لوكالة فرانس برس: "رغيد الططري هو السجين السياسي الأقدم في سوريا والشرق الأوسط”.

ومرّ الططري بسجن صيدنايا، الذي شكّل رمزاً لأسوأ انتهاكات حكم حزب البعث، واصطلحت منظمات حقوقية على تسميته بـ”المسلخ البشري”.

لكن بالنسبة لأقدم سجين في سوريا، فإن أسوأ تجربة له كانت في سجن تدمر، الواقع في وسط الصحراء، حيث بقي 15 عاماً.

يروي الططري: "تدمر لم يكن سجناً، كان معتقلاً (…) خارجاً عن أي انضباط وأي قوانين وأي إنسانية (…). كان يمكن لشرطي إذا استاء من سجين أن يقتله”.

ويضيف: "كل ما قيل عن التعذيب في تدمر… لا مبالغة فيه، بل هو قليل”.

ويتابع: "لم نكن نخاف من التعذيب، كنا نتمنى الموت، لا مشكلة. المشكلة كانت أن ينهار الشخص ويقول كلاماً يناقض المبادئ التي يؤمن بها”، مضيفاً أنه كان يرفض ترداد عبارة "حافظ الأسد ربّك” التي كانوا يطلبون منه قولها.

في سجن تدمر، قُتل مئات السجناء، معظمهم من الإسلاميين، رمياً بالرصاص، وذلك عقب محاولة اغتيال فاشلة لحافظ الأسد في عام 1980.

ويروي الططري أنه في تدمر "يفقد المرء المشاعر، لا تعود هناك قدرة على التفاعل”. هناك، كان مقطوعاً عن العالم تماماً، وعلم بسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1993 من سجين آخر أُدخل مستشفى السجن.

بعد العام 2011، تغيّرت حياة الططري حين تمكّن من الانتقال إلى سجن السويداء مقابل مبلغ مالي. هناك، تمكّن من حيازة هاتف جوّال خبّأه في حفرة داخل زنزانته.

اعتقدت عائلته أنه مات، إلى أن حصلت على دليل أنه حيّ في العام 1997، بعد دفع رشى.حينها، التقى الططري بابنه، الذي كان يبلغ من العمر 16 عاماً، للمرة الأولى

ويقول: "الهاتف الجوّال يخرجك من السجن”. لكن حين اكتشفت السلطات هاتفه، عاقبته بنقله إلى سجن طرطوس على الساحل السوري، الذي خرج منه قبل ستة أشهر.

أحلام اليقظة

عند اعتقاله، كانت زوجة رغيد الططري حاملاً. واعتُبر الططري في عداد المفقودين لسنوات طويلة. عندما كان في تدمر،

اعتقدت عائلته أنه مات، إلى أن حصلت على دليل أنه حيّ في العام 1997، بعد دفع رشى.حينها، التقى الططري بابنه، الذي كان يبلغ من العمر 16 عاماً، للمرة الأولى.

ويقول: "كنت خائفاً من هذا اللقاء”، مضيفاً أن الزيارة كانت مراقبة "ومن خلف الحديد (…) أنهيت اللقاء بعد 15 دقيقة”.

بعد 43 عاماً في السجن، فقد الططري عدداً كبيراً من أفراد عائلته. إذ فارقت زوجته الحياة، وانتقل ابنه للعيش في الخارج، بعدما تلقّى تهديدات مع بداية الاحتجاجات الشعبية في العام 2011.

في سجنه، كان الططري يرسم ليهرب من الواقع. ويقول: "كنت أخرج من السجن بتفكيري”، وعبر "أحلام اليقظة”، مضيفاً: "أن ينقلب النظام بين ليلة وضحاها كان أمراً أكبر من أحلام اليقظة التي راودتني (…). لم يكن يتوقع أحد أن يحصل الأمر بهذه السرعة”.

(أ ف ب)

مواضيع قد تهمك