الاب رفعت بدر : البابا الجديد لاون الرابع عشر

أعادنا الكاردينال روبرت فرنسيس بريفوست إلى القرن الخامس للميلاد، عندما كان لاون المسمى «الكبير» بابا في روما، وحبراً أعظم للكنيسة الكاثوليكية، وهو الخليفة الخامس والأربعون للقديس بطرس، وتميز بتعليمه وذكائه، لا بل إن تعاليمه تقرأ في ليلة الميلاد لجميع المؤمنين في العالم في كل الكنائس.
ولكنه أعادنا أيضاً إلى آخر من حمل اسم لاون إلى نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، حيث كان البابا لاون الثالث عشر يفتح باب المئوية الجديدة للمؤمنين في عام 1900، وتميز هذا البابا في تعليمه حول الحريات، والعدالة الاجتماعية. لا بل إن تعليم الكنيسة الاجتماعي يعود إليه كما هو يعلُّم اليوم بدءا من رسالته الرعوية Rerum Novarum أي في الشؤون الحديثة، فكان أول حبر أعظم يكتب وثيقة «رسالة رسولية» حول مستجدات الحياة الاجتماعية ودافع فيها عن حقوق العمال والعدالة الاجتماعية، ونقاباتهم وحقوق المرأة الى نظرة الكنيسة حول السياسة وشؤونها.
وعندما يعود البابا الجديد لاون الرابع عشر، إلى هذا الاسم فإنه يريد أن يكمل تلك المسيرة التي تسمى العمل الاجتماعي، لا بل التعليم الاجتماعي للكنيسة. ومنذ أول كلمات له أراد أن يقول: السلام، السلام لكم، تحية فصحية قالها السيد المسيح بعد قيامته، وكذلك ركز على العدالة والسلام في عدة مواقع من الكلمة الأولى له. إن السلام الذي تحدث عنه هو السلام غير المسَّلح، والسلام غير المسِّلح الذي يريده السيد المسيح لعالم اليوم.
جميل جداً، أن يبدأ الحبر الأعظم الجديد رسالته البابوية بالدعوة إلى السلام، وكذلك إلى بناء الجسور والحوار الذي تكرر أيضاً عدة مرات. إذاً نحن أمام عهد جديد، يؤسس لتعليم متجدد للكنيسة وكيفية مخاطبة الأجيال والتقدم العلمي والتكنولوجي، مثلما كان البابا لاون الثالث عشر أمام تحديات عصره من الأيديولوجيات التي كانت تنشأ ببداية القرن العشرين، هكذا البابا لاون الرابع عشر يجد نفسه أمام تحديات العصر الذي يعيش به وهو عصر الذكاء الاصطناعي، الذي تريد الكنيسة أن تخاطب أبناءه ومرتاديه ومستخدميه، وتريد أن يكون لها كلمة في كيفية الحفاظ على احترام كرامة الإنسان، دون أن تتسلط الآلة والتكنولوجيا والتقدم العلمي على الانسان وحريته وكرامته. ما يريده البابا الجديد هو نعم للتقدم التقني، والتكنولوجي، ونعم أيضاً للتقدم الأخلاقي في استخدام هذه التكنولوجيا في عالم اليوم.
الرسالة من البابا الجديد واضحة وصريحة، إكمال ما بدأه أسلافه ليس فقط البابا فرنسيس الراحل بطيبته وانفتاحه، وإنما كل بابوات القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين، إنها رسالة تكمل مسيرة الكنيسة، وحضورها، وفعاليتها، وتأثيرها المعنوي، وكما قال البابا يوحنا بولس الثاني في مطار عمان قبل 25 سنة: «إن الكنيسة لا تنكر بأن واجبها الأساسي هو واجب روحاني، لكنها مستعدة للتعاون مع كل الأطياف من أجل تعزيز الكرامة الإنسانية».
وأردنياً كلنا أمل بأن يسهم هذا الاختيار لتعزيز العلاقات الأردنية الفاتيكانية المتميزة منذ نشأتها عام 1994، وإن في تهنئة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، لقداسة البابا ما يدل أيضا على الانفتاح الأردني نحو تعزيز العلاقات بين البلدين الصديقين، وأيضاً تعزيز حوار الأديان الذي ركز عليه ويركز عليه دائماً جلالة مليكنا المحبوب.
إلى الأمام يا سفينة القديس بطرس، ونحن نصلي من أجل أن تكمل المشوار، فتكون الكنيسة دائماً في خدمة ليس فقط أبناء الكنيسة الكاثوليكية، وإنما خدمة كل إنسان من اصحاب الارادة الصالحة.
Abouna.org@gmail.com