مبادرات اقتصادية كثيرة اطلقناها عبر السنين وفي اتجاهات متعددة، بعضها قطعنا به اشواطاً من غير نتائج ملموسة، وبقي معظمها في الادراج. في التجارة والسياحة والصناعة والخدمات، وحتى الزراعة، سبقنا الاخرون في اقليمنا. درسنا افضل الممارسات العالمية في هذا المجال وتداولنا الحديث عن النموذج التايواني، والسنغافوري، فالماليزي، وحتى الايرلندي. ولكن ماذا عن النموذج الاردني؟
في عصر العولمة والانفتاح انتهت نماذج اقتصادية قديمة واصبحت الدول تبحث عن ميزتها التنافسية النسبية وتقوية العناصر الجاذبة للاستثمارات الداخلية والخارجية. فلو سألنا انفسنا: بماذا يتميز الاردن تنافسيا؟ وما هي عناصر الانتاج الفاعلة التي نساهم بها في اقليمنا؟ ما هي مقدرات الاردن التي تمكنه من تقديم خدمات او منتجات ذات قيمة مضافة حقيقية للاقليم والعالم؟
لدينا الكثير لنقدمه، ولكن القليل منه يملك ميزة تنافسية حقيقية، وبالتالي فان قيمته المضافة قليلة بالمعنى الاقتصادي. وذلك يشمل الثروات الطبيعية والزراعة والصناعة وحتى السياحة، اضافة الى كثير من الخدمات. اما في ما يتعلق بالثروة البشرية، فاننا نتغنى بتصديرها الى الخارج مقابل التحويلات المالية الدورية والتي هي لو حسبناها بالورقة والقلم لكانت نتيجتها على المدى الطويل سلبية للغاية لما فيها من اهدار للفرص الاقتصادية البديلة، عدا عن تكلفتها الاجتماعية الهائلة.
فكيف يمكن لنا تمكين الموارد البشرية في وطنها بدلا من تصديرها؟ قد تكمن الاجابة في قطاع هام جدا، ويمكن ان يشكل قاعدة اساسية للنمو الاقتصادي الاردني على المستوى الاقليمي، وحتى العالمي، الا وهو البحث العلمي والابتكار والتطوير والتعليم بمختلف انواعه. لدينا الامكانيات والخبرات العميقة لجعل الاردن مركزاً للتعليم والتدريب والبحث والابتكارالموجه لتطوير المنتجات والخدمات وتسويقها.
هل يمكن لنا تحويل الاردن باكمله لمنطقة حرة للبحث والابتكار والتعليم والتدريب. لدينا في هذا المجال ميزة تنافسية اكبر مما لدينا في الصناعة والتجارة والسياحة بشكل مجتمع اذا احسن استغلالها. هل يمكننا ان نخطط لأخذ دور حيوي في تطور الاقليم وازدهاره بالتخصص في رفد النمو الاقتصادي الاقليمي بالطاقات المدربة وبنتائج بحث علمي مبتكر وعملي؟ ثروتنا الاساسية والفريده هي الانسان المؤهل القادر ان يتعلم بفعالية وكفاءة كيف يعلم غيره وكيف يصمم سلع ومنتجات وخدمات مبتكرة ذات قيمة اقتصادية تنافسية. الكرة في ملعب الاقتصاديين والقانونيين لدراسة هكذا مشروع لمنطقة حرة ابتكارية بحجم الوطن.