د محمد كامل القرعان : مواصلة.. تواطؤ الإعلام الغربي بالعدوان على غزة
على الرغم من مرور أكثر من عام وما يزيد على العدوان الاسرائيلي الغاشم على قطاع غزة الأعزل، مرتكبا أبشع الجرائم التي لم يشهدها التاريخ الانساني دموية، لترتكب ضد الإنسانية ووصمة عار على جبين اخلاقيات الاعلام الغربي، وما يزال هذا الاعلام ان لم يكن جله يأخذ موقفا منحازا لصالح دولة الاحتلال الاسرائيلي ويغمض عينينه عما يجري من حرب إبادة جماعية تمارس بحق شعب أعزل لا يملك أبسط مقومات الحياة الأساسية. وهي صورة قاتمة عن البعد الانساني والاخلاقي تمارسه هذه الوسائل وعلى سبيل الذكر لا الحصر من ثلاث صحف أميركية كبرى هي «نيويورك تايمز» و"واشنطن بوست» و"وول ستريت جورنال». لكن جاءت هذه الحرب العمياء لتكشف مدى انحياز وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية التي تجري تقارير من قطاع غزة تحت حماية جنود الجيش الإسرائيلي، لتمارس التصوير بعدسة متاح لها التجول دون قيود لتنفذ حملة دعائية الى جانب جيش الاحتلال، ناهيك عن أن مراسلين مختصين بالشؤون الفلسطينية يظهرون على الشاشة وهم يحملون المياه المعدنية والوجبات السريعة، في مشهد يناقض حاجة سكان غزة التائقين إلى مياه الشرب النظيفة والطعام والعلاج.
وخير ما توصف فيه هذه الحالة الإعلامية المخيبة للآمال والمنحازة للعدوان الاسرائيلي بتشويه الحقائق في تقاريرها التلفزيونية، ومع ذلك لا أحد يعلم حقيقة ما يحدث فيها، بدعوة أن وسائل الإعلام الغربية لم تتمكن حتى الآن من الوصول إلى غزة والاستماع إلى سكانها.
وهذا يتنافى مع الواقع الذي يؤكد أن غزة محط الأنظار منذ اندلاع أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأن صحفاً مثل الغارديان البريطانية ونيويورك تايمز الأميركية وواشنطن بوست وغيرهم، لم تتمكن من الوصول إلى سكان غزة، رغم أن صحيفة هآرتس الإسرائيلية نفسها نشرت تقارير وأجرت محادثات مع أطباء فلسطينيين عن «الجحيم» في القطاع.
وما زالت هذه الصحف وتلك الوسائل الاعلامية المنحازة تواصل عدوانها الاخلاقي على مهنة الصحافة واخلاقياتها ضاربة بعرض الحائط تاريخها وسمعتها وما الموقف الذي يجب ان تكون عليه في إحدى أكثر الحروب دموية في القرن الحالي، ومعدل ووتيرة الوفيات إضافة إلى الظروف المعيشية للسكان في القطاع وما تجعل من الحرب في غزة تتجاوز دموية النزاعات في كل من العراق وأوكرانيا وميانمار (بورما).
كنا نعلم أن هناك درجة ما من العنصرية في تغطية الإعلام الغربي عموما للأحداث المختلفة في الشرق الأوسط وأفريقيا، ولكننا لم نتخيل أن تتجلى بهذا الوضوح الساطع في 2024، بعد أن حقق الغرب ما يُفترض أنه قفزات واسعة على مسار حقوق الإنسان والحريات (4) (5) (6). هذا التناقض الذي يواجهه صحفيون وبعض الصحف العالمية المنحازة للحقيقة، وأمثالها ممن ما زالوا محتفظين بإنسانيتهم في هذا المناخ الثقافي والسياسي الغربي المخبول، هو في الواقع ليس تناقضا أبدا؛ ببساطة لأن الحضارة الغربية فعليا لم تحقق طوعيا أبدا قفزات واسعة على مسار حقوق الإنسان والحريات، بل انتزعت منهم تلك الحقوق والحريات انتزاعا بعد عقود وقرون من النضال الشعبي للأقليات المضطهدة.
هذه هي الحقيقة التي يعلمها الجميع، ولكن تخجل الحضارة الغربية من الاعتراف بها؛ أنها لم تمنح بل أُرغمت، وبعد أن أُرغمت، أنفقت العقود التالية في تزييف حقيقة هذا الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وتصوير التغير في المزاج العنصري بوصفه قرارا طوعيا نابعا من الحس الإنساني.
قفزات واسعة توحي بأن المسألة برمتها كانت اختيارا واعيا، سبقه اعتراف بالخطأ ومحاولات جادة للتطهر والتكفير عن قرون من الجرائم والاستعباد المباشر وغيره، بينما في الحقيقة كان الأمر أشبه بتنازل إجباري عما رآه قادة تلك الحضارة حقا أصيلا بحكم العِرق أو الدين أو الإنتاج المادي.
هذا الخلط التأسيسي هو ما أوقع الصحفيين الصادقين الذين آمنوا بهذه الدعاية في التناقض الحالي، وأصابهم بالصدمة غير المفاجئة، وعندما يتضح هذا الالتباس المتعمد، يتضح أن النسق العنصري الوحشي الحالي ضد الفلسطينيين ليس إلا امتدادا للخط الحضاري الأصلي، والفارق الوحيد هنا أنه لا يوجد بعد ما يدعو قادة الحضارة ذاتها للتنازل هذه المرة.
حرب مهمة للغاية لتفسير الظاهرة محل الدراسة وفهم خلفياتها؛ المئات من الصحفيين والمراسلين والمذيعين في شبكات الإعلام الغربي الرئيسية، الذين يفيضون عنصرية وجهلا وكسلا تجاه الفلسطينيين وغيرهم، لم يُوجدوا فجأة من العدم، ولم يُستحدثوا لمتطلبات طارئة استثنائية، بل فقط عثروا على فرصة للبوح بما يعتمل في دواخلهم، ولا تسمح القوانين الغربية المحلية بممارسته ضد الأقليات في بلادهم، على الأقل بهذا الوضوح وتلك الفجاجة. ــ الراي