الأخبار

د . صلاح جرار : لو كتب هؤلاء مذكّراتهم

د . صلاح جرار : لو كتب هؤلاء مذكّراتهم
أخبارنا :  

المنخرطون في الدفاع عن غزّة بوجه خاصّ وعن فلسطين ومقدّساتها بصورة عامّة، والمتأثّرون بالعدوان الصهيوني على غزّة والضفّة الغربيّة والقدس الشريف والأراضي اللبنانية وغيرها من الأراضي العربيّة، يعدّون بالملايين، ولكلّ واحدٍ منهم تجربته ومشاهداته ومعاناته، لكنّهم لا يستطيعون كلّهم أن يدوّنوا هذه التجارب لأنّ كتابة المذكّرات واليوميّات يحتاج إلى شروطٍ ومهارات خاصّة، غير أنّ آلافاً من هؤلاء المنخرطين مباشرة بهذه الأحداث أو المتأثرين بها ممّن لديهم ملكة الكتابة والتدوين، ولا سيّما إذا كانوا من المتعلّمين والمثقفين، يستطيعون عند امتلاكهم الوقت الكافي والظرف المناسب أن يدوّنوا هذه التجارب وبأدقّ التفاصيل على صورة مذكّرات أو يوميّات أو مشاهدات.

والذي أراه أنّ كتابة المذكّرات ورصد التجارب والمشاهدات وتدوين اليوميات بتفاصيلها عن هذا العدوان الصهيوني الهمجي الغاشم وما رافقه من أساليب صهيونية في القتل والتدمير والإفساد وارتكاب الجرائم والاستعانة بالكذب والتضليل والتواطؤ والتحايل والكيد والتدبير والخداع بكل أشكاله، كلّ ذلك يتطلّب اهتماماً خاصّاً من كلّ صاحب تجربة واستطاعة في الكتابة، لأنّ ذلك واجبٌ وطني وإنسانيّ يسهم في كشف حقيقة هذا العدوّ الصهيوني ووحشيته ويحذّر الأجيال القادمة من مكائده ومصائده ومؤامراته، ويعرّف أبناء الأمّة والعالم حاليّاً وفي المستقبل بهذه الأحداث وتفاصيلها حفاظاً على ذاكرة الأمّة أوّلاً وعلى حقوقها التاريخية ثانياً.

أما فئات المنخرطين بهذه الأحداث والمتأثرين بها فهي عديدة، يأتي على رأسها وفي مقدّمتها أهالي غزّة، فتجربتهم مع هذا العدوان قاسية جداً ومريرة ما بين قتلٍ لأبنائهم وأطفالهم ونسائهم وهدم لبيوتهم وحرمانٍ من الماء والغذاء والدواء وكلّ مقوّمات الحياة وتهجير وإذلال وتشريد، فلكلّ واحد منهم تجربة تكاد تفوق الخيال، تستحق التدوين والتوثيق كي لا تغيب عن الذاكرة.

ومن أهم فئات المنخرطين في هذه الأحداث الاستثنائية أبطال المقاومة الذين لا تخلو جعبة أيّ منهم من قصص بطولية وقصص المواجهات والكمائن والتفجيرات وصيد الجنود الصهاينة والدبابات والاستيلاء على الطائرات المسيّرة والتخفّي من الطائرات ونقل الأسرى من مكان إلى آخر والحصول على الأسلحة والذخائر والمغامرات والمخاطرات والملاحقات والمطاردات وغير ذلك ممّا لا يحصى ويستحقّ أن تنتج منه رواياتٌ وأفلامٌ تسجيلية، ويستحق أن يقدّم للأجيال بوصفه نماذج في البطولة والنضال والتضحية والشجاعة.

ومن فئات المنخرطين بأحداث هذ العدوان الصهيوني الأسرى الفلسطينيوّن في سجون الاحتلال، ففي قصة اعتقال كلّ واحد منهم تجربة قاسية ومريرة، وفي معاناته في السجن ومع السّجانين ما يستحق التوثيق، وفي علاقاته مع زملائه الأسرى في السجون وأخباره معهم ما يستحقّ التدوين والتسجيل وما يستحق أن يُروى للأجيال.

أمّا الأطبّاء والعاملون في المستشفيات والكوادر الطبيّة وطواقم الإسعاف والإطفاء، فلهم من البطولات والمغامرات والجهود، ولا سيّما عند استهداف الطائرات الصهيونية والقنابل الأميركية لهم ولهذه المستشفيات وطواقمها، وعند اقتحام الجنود للمراكز الطبية واعتقال المرضى والممرّضين والأطباء أو إطلاق النار عليهم، فلهؤلاء جميعاً تجارب لا تحصى ولا يجوز بحال أن تبقى من غير تسجيل وتدوين وتوثيق.

ومن الفئات التي لا بدّ أن يكون لكلّ واحد من العاملين معها تجارب ومشاهدات خلال هذا العدوان فئة الأطباء الملتحقين بالمستشفيات الميدانية مثل المستشفى الميداني الأردني، وفئة العاملين في منظمات الإغاثة الدولية، ووكالة الأنروا، ومنظمة الصحة العالمية، والعاملين في نقل المساعدات الغذائية والطبية إلى أهالي غزّة من الأردنّ وغيرها، فلكلّ واحد من هؤلاء العاملين حكايته وقصته ومشاهداته وتجربته ومعاناته من تدخّلات جيش الاحتلال في عمله، وكلّ هذه التجارب جديرة بالتسجيل والتوثيق.

أما الصحفيّون والإعلاميّون ومراسلو القنوات الفضائية ووكالات الأنباء، فهم الأقرب إلى ساحات وقوع الأحداث والأقدر على نقلها وتسجيلها، وهم ممّن يعرضون أنفسهم للأخطار البالغة، ولا شكّ في أنّ لدى كلّ واحدٍ منهم ما يملأ مجلّدات من المشاهدات والتجارب والمخاطرات والمغامرات.

ومن الفئات التي أتمنّى أن لا يتأخّر أيّ من أصحابها عن كتابة مذكّراته المتّصلة بهذا العدوان وأحداثه ومجرياته فئة المفاوضين العرب الذين انخرطوا في مفاوضات طويلة وعقيمة ومطوّلة مع ممثّلي الصهاينة، فلستُ أشكّ للحظة واحدة أن كل واحد من هؤلاء المفاوضين العرب قد عانى أشدّ المعاناة في التعامل مع المفاوضين الصهاينة الذين لا يثبتون على موقف واحد ولا يتمسكون برأي واحد ولا يقفون عند حدّ في مطالبهم ومناكفاتهم. ولو كتب هؤلاء المفاوضون العرب كلّ ما شاهدوه وسمعوه وجرّبوه مع المفاوضين الصهاينة لربّما استغرق ذلك مجلّدات عديدة.

إنّ هذه الآلاف المؤلّفة ممّن انخرطوا في مواجهة هذا العدوان أو تأثروا به هم شهود عيان على حقبة تاريخية غير طبيعية، ولذا أدعو كلّ من يستطيع كتابة المذكّرات منهم أن لا يتردّد في كتابة مذكراته إثباتاً للحق وتثبيتاً للحقيقة وخدمة للأمّة والأجيال القادمة، ولو كتب كلّ هؤلاء مذكّراتهم لاجتمعت لدينا آلاف المذكّرات التي تشكل مصدراً تاريخياً بالغ الأهميّة لحقبة بالغة الأهميّة من تاريخنا المعاصر. ــ الراي

Salahjarrar@hotmail.com

مواضيع قد تهمك