الأخبار

د. مهند النسور : معهد روبرت كوخ - رحلة عبر العراقة

د. مهند النسور : معهد روبرت كوخ  رحلة عبر العراقة
أخبارنا :  

لقد كانت الأمس لحظة مهمة في حياتي المهنية، حيث تلقيت دعوة لحضور ورشة عمل نقاشية حول دور إشراك المجتمعات في المبادرات المجتمعية أثناء حالات الطوارئ، ولم أكن أتخيل أن هذه الورشة ستقودني إلى واحدة من أكثر التجارب المهنية عمقًا في حياتي، زيارة معهد روبرت كوخ، ذلك المعهد العريق الذي يحمل اسم عالم كبير، جعلني أدرك أن هذه الرحلة ليست فقط مهنية، بل هي أيضًا رحلة عبر التاريخ، فعندما اقتربنا من المعهد، تملكتني هيبة المكان، المبنى القديم الذي يتنفس عبق التاريخ ويحتفظ بلمسات العلم الخالدة، يشع فخرًا بعظمة من عملوا فيه? روبرت كوخ، الرجل الذي ترك بصمة لا تنسى في تاريخ البشرية، عاشت روحه في كل زاوية من هذا المبنى العريق، و الملفت للنظر أن الألمان يعتنون بهذا الإرث بعناية فائقة، وكأنهم يقدمون له التحية يومًا بعد يوم، ان و يثقون و يهتمون بكل شيء الجمال البنيوي للمبنى يروي بالفعل قصة جزء مهم من التاريخ الوطني و الانساني، وكانت اللحظة الفارقة في زيارتي هي توقيع الاتفاقية، التي أعتبرها من اهم الإنجازات التي حققناها، توقيعها في هذا المكان الرصين بتاريخه و عراقته جعلني أشعر بالفخر والاعتزاز، فهي ليست مجرد شراكة عادية، بل خطوة نحو?تعزيز التعاون في مجال الصحة العامة على المستويين الإقليمي والعالمي، و شعرت عندها كما لو أننا أسهمنا في ربط الحاضر بالماضي العريق للمكان و الزمان، وأن هذا التعاون سيترك أثرًا قيماً في الاقليم، وبعد توقيع الاتفاقية، أخذتنا الجولة إلى معرض روبرت كوخ، لقد كنت منبهرًا بالمقتنيات الشخصية و الفنية لهذا العالم، حتى مكتبه القديم كان موجودًا، كأنه يحكي حكاية عن المثابرة والاجتهاد، وان عناية و توثيق الألمان بهذه التفاصيل الدقيقة أضافت لمسة إنسانية عميقة لتجربتي، ومع كل قطعة تاريخية رأيتها، كنت أشعر أنني أغوص أكثر في ?وح المكان، ومن ثم صعدنا إلى الطابق العلوي، حيث فتحنا بابًا صغيرًا قادنا إلى عالم آخر تمامًا، دخولنا إلى هذا المعهد التاريخي ومعاينتنا لمكتبة روبرت كوخ كانت تجربة فريدة، من بين الكتب القديمة والوثائق الفريدة، ارتني مرافقتنا كتاب للويس باستور، سألت المرافقة بحيرة «لماذا كتاب لباستور في معهد ألماني وانتي اريتني اياه اولا؟» فجاء ردها بدرس في الإنسانية «لقد تجاوزنا خلافات الماضي، فنحن نحتفظ بهذا الكتاب تقديرًا لإنجازات باستور، رغم الحروب السابقة.» هذه الإجابة كانت تذكيرًا بضرورة تخطي الجراح والاستثمار في الآمال?المشتركة في اقليمنا، وأثناء تجوالي في المعهد، لم تفارقني تلك الميدالية الذهبية التي حصل عليها كوخ تقديرًا لجهوده التي منح بسببها جائزة نوبل، ولقد شعرت بالفخر عندما كرمت بالتوقيع وكتابة الكلمات التي تليق بهذا الصرح العلمي العريق في سجل لوحة الشرف لكبار الزوار أمثال المستشارة انجلا ميركل واخرون من أصحاب الفخامة والشهرة والسمعة الطيبة تأكيدا منهم على اهمية هذا الصرح العالمي و اعترافا ضمنيا بتاريخه وموروثه المشرف، و لقد كان جو المعهد مشبعًا بروح العظمة والتواضع، و ما أثار دهشتي هو اللطف والود الذي لمسته من كل ?خص تعاملت معه، على الرغم من السمعة الجادة والصارمة التي يعرف بها الألمان، هذه الرحلة أكدت لي أن التغيير قد طال الأجيال الجديدة، التي باتت تتسم اكثر بالتشاركية و الاحترام المتبادل، وقد انتهت رحلتي بتكريم رمزي من المعهد، هدية تعكس الاحترام والشراكة بين معهد روبرت كوخ والشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية(امفنت) و لقد شعرت بالفخر والاعتزاز بهذا التعاون، وسأحتفظ بهذه الهديةفي مكتبي كتذكار لواحدة من أعظم اللحظات في مسيرتنا المهنية.

لقد كانت زيارة مليئة بالتعلم و التشاركية من الدروس و العبر وستمضي معي أينما ذهبت.

ــ الراي

مواضيع قد تهمك