الأخبار

د. محمد الرصاعي : «التغيير» أهم دروس الهجرة النبوية

د. محمد الرصاعي : «التغيير» أهم دروس الهجرة النبوية
أخبارنا :  

مكث الرسول محمد (ص) ثلاثة عشرعاماَ في مكة يدعو إلى التوحيد والإيمان، ونبذ الوثنية وعبادة الأصنام، داعياً إلى إستبدال المعتقدات الجاهلية بتعاليم ربانية تحقق صلاح المجتمعات وتهذب أخلاقها، لكنه وصل إلى طريق مسدود، ولم يجد سوى آذان صماء وعقول متحجرة. وبعد أن أقفلت الأبواب وأنقطعت السبل أمام الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتنامت العداوة ضد الرسول محمد وصحبه ومن تبعه من الضعفاء والمساكين، كان التغيير، المنهج الذي أتبعه المصطفى (ص) بتوجيه رباني؛ تغيير المكان والشخوص، فقرر الهجرة إلى يثرب تاركاً مكة موطنه ومسقط رأسه، بعد أن حاصره قومه من قريش وآذوه، قائلاً » والله أنك أحب بلاد الله إلي ولولا أني أخرجت منك ما خرجت»

إنَّ الركون إلى الواقع، والاستسلام لكل ما يتسبب بالاحباط والفشل، وتثبيط العزيمة، سينتج حتماً حياة تقليدية، وأدواراً روتينية بالية، وهو أشبه بحركة دوامة تدور في ذات المكان، تفترس مع إطراد الوقت كل ما يحيط بها، وتستنزف الطاقة الجسدية والفكرية للأفراد والجماعات دونما جدوى أو أمل جديد.

أن منهج التغيير منهج تقدمي يحقق التطور والنجاح، وهو استراتيجية عمل جديدة، واستجابة ذكية للمستجدات والأحداث، ولا يكون التغيير لمجرد التغيير، بل يكون بهدف تحقيق نجاحات جديدة، والاستفادة من ظروف غير متاحة في الواقع الراهن، وتوظيفها لتحقيق أهداف الأفراد أو المؤسسات على حدٍ سواء، ويأخذ التغيير مناح ووجهات عديدة، فقد يكون التغيير في الخطط والبرامج، أو الأهداف والأستراتيجيات، وقد يتطلب التغيير الانتقال إلى أماكن جديدة، وبيئات مختلفة يتوفر فيها عوامل النجاح والتقدم، أو تغيير الأشخاص المحيطين وذوي صلة بالواقع القائم، إلى الإتصال بشخوص جدد، وأستقطاب أفراد لديهم تباينات فارقة عمن نتعامل معهم في واقعنا الحالي.

ويمتاز عصرنا الحديث بالتغيير، والتغيير السريع، وقد دللت معظم التجارب والنجاحات الفريدة القائمة على الإبداع والتميز أنها أستندت إلى منهج التغيير، وإيمانها المستمر بحتمية التغييرودوره المهم والحيوي في مواكبة المستجدات العالمية، والتحولات المتسارعة، فقد أثبتت التجارب العالمية فشل وإنهيار العديد من المؤسسات والشركات العملاقة بسبب جمودها وبقائها على ذات الخصائص والسمات التي أصبحت مع الوقت غير مرغوبة، ولا تستتجيب لرغبات الزبائن ومتطلبات العصر الحديث.

وفي هذا الصدد أفرز منهج التغيير علوماً ومعارف عديدة، تقوم على مفاهيم علمية مستحدثة أرتبطت بجميع صنوف المعرفة الإنسانية كمفاهيم الإبتكار، والإبداع، وإدارة التغيير، وقيادة التغيير، حتى باتت هذه المفاهيم من أهم المحركات المعرفية في علوم الإدارة، وفنون إدارة الموارد البشرية، وقد أعتمدت المؤسسات والشركات الكبرى التي لاقت نجاحاً وتميزاً عالمياً على تطبيق مفهوم التغيير، والمعارف المنبثقة عنه.

تزخر الهجرة النبوية بدروس وعبر عديدة، صالحة في كل وقت وكل زمان، فقد شكلت حادثة الهجرة بداية نشوء دولة الاسلام القائم على قيم الإصلاح، والرحمة، والعدالة، وقد دللت على أن الوصول إلى النجاح، وتحقيق الطموحات والأهداف الكبرى يتأتى بالصبر، والقدرة على التحمل، وحسن الإدارة والتخطيط، واختيار الرفقة الصالحة، والتوكل على الله، وحسن الظن به، وأنه لا محالة سيكون إلى جانب من يسعى إلى خير البشرية وصلاحها. ــ الراي

Rsaaie.mohmed@gmail.com

مواضيع قد تهمك