الأخبار

د. احمد يعقوب مجدوبة : أية ديمقراطية بالضبط؟

د. احمد يعقوب مجدوبة : أية ديمقراطية بالضبط؟
أخبارنا :  

بما أننا عازمون على المضيّ قُدماً في التحديث السياسي، الذي قوامه الديمقراطية والأحزاب والانتخاب، أصبح لزاماً علينا أن نسأل سؤالاً أساسياً لا يمكن تجاهله، وأن نجيب عليه بدقة وحرفية؛ حتى تؤتي مساعينا أُكلها.

والسؤال هو: أية ديمقراطية نريد بالضبط؟

قد يقول بعضهم: ماذا تقصد بهذا السؤال، فالديمقراطية هي الديمقراطية؟!

والجواب هو: كلا؛ فهنالك على أرض الواقع عدة ديمقراطيات وليست ديمقراطية واحدة؛ نماذج يختلف بعضها عن غيره اختلافات جوهرية.

وأهمية السؤال الذي نثيره هنا تكمن في أن بعض النماذج العالمية الرئيسة، والتي تغنّى الناس فيها لعقود، لم تعد نماذج ناجحة، فإما أنها انحرفت عن مسارها أو كانت كذلك منذ البداية لكن عوراتها لم تكن ظاهرة.

والعورات كثيرة، وهي ماثلة للعيان في عدة نماذج في أوروبا والأمريكتين.

منها أن من يتبوأ القيادة فيها لا بد أن يكون مليئاً مالياً أو مدعوماً من المليئين. والعلة هنا أن الإنسان المميز الكفؤ المخلص لا يمكن أن ينافس إذا لم يكن مُقتدراً مالياً، لا بل ليس له أمل في دخول معترك الحياة السياسية أصلاً؛ وأنه إذا احتاج للمليئين لكي يدخل وينافس ويفوز، سيكون لا محالة عُرضة لتأثير هؤلاء ولأهوائهم ومصالحهم، والتي تكون غالباً على حساب المصلحة العامة.

ومنها أن العديد من الأحزاب التي بدأت بالمنافسة والفوز في العديد من الديمقراطيات الغربية هي الأحزاب المتشددة المتطرفة العنصرية التي تحمل الأجندات السلبية المتعارضة مع المبادئ الديمقراطية الأصيلة، تلك الأحزاب التي ترفض التعددية وقبول الآخرين وتبني القضايا البنّاءة التي تخدم السلم العالمي وأمن كوكب الأرض.

ومنها أن من يتبوأ المناصب القيادية، في النماذج السلبية هذه، يتخلى عن مهمته الأساس التي قوامها خدمة شعبه ومجتمعه ومبادئ حزبه الأصيلة، ويكرس وقته وسياساته لخدمة نفسه وإدامة بقائه في السلطة أطول مدة ممكنة، حتى لو اضطر لتغيير مبادئه وتحريف الحقائق والتخلي عن حزبه.

لا بل إن الأخطر في بعض الديمقراطيات أنها لا تفرز الأفضل والأكفأ أصلاً، فمن المفارقات فيها أن لديها أفضل الجامعات في العالم، لكن الأفضل من خريجيها الشباب يعزفون عن الانخراط في السياسة لفقدان ثقتهم بها.

وهنالك عورات أخرى.

المهم بالنسبة لنا، ونحن نسير بخطى حثيثة في طريق ترسيخ الديمقراطية في منظومتنا السياسية، أن ننحت النموذج الديمقراطي الأمثل الذي ينسجم مع قيمنا وأعرافنا وثقافتنا ومتطلبات المرحلة من ناحية، ونتجنّب الهِنات والعورات المذكورة للتو وغيرها من ناحية أخرى.

ويتم ذلك، عملياً، من خلال إجراءين:

الأول ويتمثل في دراسة النماذج العالمية دراسة جادة ناقدة، واختيار النماذج الأفضل والأنجح من بينها بهدف الإفادة منها.

والثاني ويتمثل في تشكيل أو بناء النموذج الذي يناسبنا وينسجم مع متطلباتنا ومبادئنا وقيمنا بناءً على هذه النماذج، وعدم تبني نموذج واحد منها على علاّته.

أمامنا فرصة تاريخية لاختيار النموذج الديموقراطي المناسب، المُكمّل لمساعينا في التحديث السياسي؛ ويساعدنا في ذلك أ) وجود رؤية دقيقة لما نريد و ب) نماذج ديموقراطية عالمية حيّة عمرها قرون.

نعم، السؤال الحاسم لدينا الآن: أية ديمقراطية بالضبط نريد لأنفسنا؟! ــ الراي

مواضيع قد تهمك