الأخبار

علي البلاونة : دلالات فوز مسعود بزشكيان رئيساً لإيران

علي البلاونة : دلالات فوز مسعود بزشكيان رئيساً لإيران
أخبارنا :  

عمليا وبغض النظر عن أية ملاحظات، عقدت في إيران انتخابات رئاسية، سواء كانت شكلية أو عميقة، فهي إحدى مظاهر قوة الدولة والنظام السياسي، وقدرة النظام على تبديل شخصياته وفق عملية تبادل للأدوار، محافظين متشددين، وإصلاحيين، وهي عملية وأن حققت قدرا من الاهتمام، إلا أنها تعبر عن قدرة النظام على تصريف أموره الداخلية والخارجية، كي لا تتعرض للإنفجار، خاصة وأن القراءات الأمنية تشير أن النظام بمقتل الرئيس إبراهيم رئيسي، وإحتمالات غروب المرشد في لحظة قادمة، فإنه سيواجه امتحانا في البقاء والاستمرار، أو الصراع والفوضى.
أعطت إيران مجموعة من الرسائل، بأن النظام والدولة لم تتأثر بمقتل الرئيس ووزير الخارجية، ولا بمقتل رمزيات أخرى على شاكلة قاسم سليماني، كما أن القراءات الأمنية تشير وبما لا يقبل النقاش، أن إيران ومنذ عام 1978 لم تتغير كثيرا، بل على العكس جرت عمليات عسكرة للدولة، وتحويلها الى بنية عسكرية، على حساب عمليات التنمية الأخرى، وأن جيل الثورة، أصبح يحلم بدولة مؤسساتية، ويحلم بإندماج الحرس الثوري بالجيش الإيراني، وهذه النقطة هي بيت الصراع، بين شباب أمضوا سنوات في الحرس الثوري، يعتقدون أنهم الأولى بقطف النتائج والبقاء في السلطة والهيمنة عليها، وآخرون يرون أن وفاة المرشد علي خامنئي، ومع مقتل رئيسي، أصبحت البلاد أمام عاملين، الأول البقاء في عهدة الثورة وتنظيماتها، والثاني التجسير الإنتقالي، حيث يرى الإصلاحيين بأن المرشد يبقى ولكن بصلاحيات بروتوكولية وشكلية، وتلغى مصلحة تشخيص النظام، وتصبح مؤسسة من مؤسسات البرلمان ويتم وضع شروط دستورية للمرشحين وغيره.
مسعود بزشكيان لا يعبر عن المحافظين ولا عن الإصلاحيين، بل هو حالة هجينة براغماتية تعرف حدود القوة والدور، ويعتقد أن وجوده رئيسا يعد الإنجاز الأكبر في هذه الظرفية، قد يشجع الآخرين على ترتيب صفوفهم، لكنه لا يتأمل كثيرا، ويعلم أن لا مجال للتغيير في ظل قوة المرشد ومصلحة تشخيص النظام، وقوة وحضور الحرس الثوري، ويعلم أيضا أن فوزه ونجاحه جرى تصميمه في مكتب المرشد والحرس الثوري.
وأيضا يعلم أن ظروف نجاحه وفوزه وفقا لمتطلبات الدولة العميقة الإيرانية، قد تسمح له بالبروز داخليا وإقليميا ودوليا، على نحو لم يخطط له أو يتوقعه، لكنها فرصة متاحة في ظل التعقيدات الداخلية العديدة، والتي قد تتعاظم مع وفاة المرشد أو تراجعه الصحي، ومع ذلك سيمنح بزشكيان فرصة لتقديم أمل جديد للشارع الإيراني الغاضب، ويمكن قوى الدولة العميقة من إمتصاص الغضب وإعادة تدويره، وقطع صلاته ان أمكن بقوى الإعلام وحقوق الإنسان الدولية، ناهيك عن إدراك صناع القرار السياسي في إيران بأن أميركا سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، لا زالت تتعامل مع إيران وفقا لسياسة العامودين القديمة مع تجديدات معينة، والتي تقضي بضبط المنطقة ومنها إيران ضمن عامودين لا يجب الخروج عنهما مهما كانت النتائج، ومن يحدد مساحة الحركة هي الولايات المتحدة .
خروج الشارع الإيراني للاحتفاء بفوز بزشكيان بعضه حقيقي وبعضه الآخر وهمي، حيث أعطيت تعليمات مبكرة، لإبراز حماسة الشارع الإيراني وإظهاره بأنه قاد التغيير، وأنه فاز على المحافظين، رغم قوتهم، وهذا يعزز من منسوب النزاهة للمرجعية الإيرانية، ويمنح المرشد حضورا أكبر، وأيضا يخفض نسب الضغط الكبيرة على المؤسسات الأمنية، التي تعيش حالة من القلق في الأشهر الآخيرة بسبب سلسلة إغتيالات العلماء الإيرانيين، وإختراق مفاصل النظام، والشكوك بالمحيطين، والأصدقاء وما قضية التحقيق مع الإعلامية لونا الشبل ببعيد، وذلك لأن لدى الإيرانيين معلومات تفيد بأن قصف إسرائيل لقنصليتها في دمشق، كان نتاج معلومة إستخبارية لم تتوافر إلا على نطاق محدود داخل إيران وسوريا.
إيران تستعد لتوقعات عودة ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وترى أنه مناسب لعقد الصفقات والتفاهمات أكثر من بايدن، رغم أصول تأثيرها الكبيرة لدى فريق الرئيس الأميركي، وبخاصة فريق الرئيس السابق باراك أوباما، الذي لا زال مشرفا أو قريبا من الإدارة الأميركية الحالية، وبالتالي لازالت توجهاته بالتعامل مع إيران قائمة، وقد إتضح ذلك بالتفاهم على الضربات الآخيرة بين إيران وإسرائيل وأميركا.
لا تغيير كبير في سياسة إيران مع مسعود بزشكيان، فالرئيس عمليا لا يسيطر أو ليس له نفوذ على الحرس الثوري، ولا على وزارة الخارجية ولا على المؤسسات الأمنية، وإنما هو جزء من عمليات التوافق والتفاهم الداخلي، وصناعة الدور والمهام والسياسات هي التي أتت به رئيسا لإيران، وعليه ستخضع هذه الفترة للقياس والتجربة والتفاعل مع البيئة الإقليمية والدولية.
عربيا التأثير الوحيد هو فاعلية وقوة ونفوذ السعودية، إقتصاديا وسياسيا ودينيا وقوة دول الخليج عموما، وقد أعلن وزير الخارجية الإيراني أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سيزور طهران عقب تشكيل الحكومة الإيرانية الجديدة، هذه الخطوة تأتي ترجمة للاتفاق السعودي – الإيراني التي رعته الصين في مارس 2023، والذي تعرض للامتحان في ملفات عديدة، ويبدو أنه لازال صامدا، فثمة تغيرات دولية وإقليمية عديدة ترشح إمكانية بقائه وتطويره أيضا.
أردنيا، لا تغيير كبير متوقعا، رغم أن ثمة إتصالات بين البلدين لاستعادة قوة العلاقات الثنائية، رغم مجموعة العوائق الرئيسة المتمثلة بعمليات إستهداف الأمن الوطني الأردني من قبل ميليشات إيرانية في العراق وسوريا، وعمليات تهديد أمنه وإغراقه بالسلاح والمخدرات، وهي التي دفعت الأردن، لتغليب مصالحه الوطنية في المواجهة الأخيرة بين إسرئيل وإيران والتي ظهرت كمسرحية تم إخراجها والاتفاق على مضامينها مسبقا، ومثلها كثير. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك