الأخبار

د . محمد حيدر محيلان : الأحزاب والانتخاب وتحديات الحكومة البرلمانية

د . محمد حيدر محيلان : الأحزاب والانتخاب وتحديات الحكومة البرلمانية
أخبارنا :  

تعد الانتخابات النيابية في الأردن مناسبة هامة ووطنية يمارس فيها الاردنيون دورهم السياسي والديمقراطي، وتفعيلا للمواطنة الصالحة والفاعلة، وتعبيرا عن مستوى عال من الانتماء والمشاركة المدنية الحيوية في العملية السياسية. الا انها هذه المرة تختلف اختلافا جوهريا عن سابقاتها، حيث تجيء بعد حزمة من التحديثات التشريعية والسياسية المتعلقة بالأحزاب والانتخابات وتشكيل الحكومات الحزبية، مترجمة لرؤية وتطلعات جلالة الملك التي تركز على التنمية الشاملة، و تعزيز الديمقراطية، وتحقيق الإصلاح السياسي، لضمان اردن حديث وقوي ودائم الاستقرار، حيث يشجع جلالة الملك عبد الله الثاني على تعزيز مشاركة الشباب والنساء في الحياة السياسية، ويدعم إجراء انتخابات نزيهة وشفافة تعكس إرادة الشعب، كما أنه يؤكد على أهمية بناء مؤسسات ديمقراطية قوية تضمن استقرار البلاد وتعزز التنمية المستدامة.
إن الاتجاهات السياسية الحالية للنظام والحكومة تشجّع على المشاركة الشبابية في الأحزاب، ونتوقع ارتفاع التمثيل النسائي والشبابي في مجلس النواب القادم، وفق ما تضمنه قانون الانتخاب الجديد، وعليه فلا بد من تمكين وتشجيع الشباب من الرجال والنساء الذين تصل نسبة من هم تحت سن الثلاثين 63% من عدد السكان، للانخراط في العمل الحزبي والانضمام للأحزاب السياسية، لتعزيز التمثيل الديمقراطي الشامل والمتنوع داخل البرلمان، بحيث يتم اشراكهم في عمليات اتخاذ القرار السياسي والإداري، وممارسة العمل القيادي داخل الأحزاب، من خلال اسناد المناصب الادارية والوظيفية الفاعلة للشباب الذكور والاناث منهم، وتوفير فرص التدريب والتنمية السياسية والفكرية لهم، وتعزيز ادراكهم لمفهوم الشفافية والمساءلة داخل الهياكل الحزبية. ان تعزيز دور الشباب ذكورا واناثا في العمل الحزبي يساهم في إبراز أصوات جديدة ومتنوعة في العملية الديمقراطية الحزبية، تدير العمليات وتتخذ القرارات السياسة والإدارية، ويعزز من التفاعل الديمقراطي والاستجابة لمختلف احتياجات وآراء الناس، مما يعزز ويؤكد مستقبل الاردن السياسي والاقتصادي والاجتماعي المستقر والآمن والقوي في مواجهة التحديات.
ان أهم التحديات التي تعترض الاكثرية من الشباب من الجنسين، هي نقص الوعي والفكر السياسي وضعف التوجيه الوطني، مما يجعل الأكثرية منهم تتحفظ وتحجم عن المشاركة في الحزبية والانخراط في العمل السياسي، فيعرض البعض عن المشاركة الفعالة ولا يبدي الحماس الواضح للانخراط الحزبي والسياسي، ربما لتجارب سابقة غير مشجعة وفاشلة، مر بها مع مرشحين وممثلين برلمانيين، خيبت امالهم وطموحهم وتوقعاتهم. و ماتزال الأكثرية من الشباب توجس خيفة من الانخراط في العمل الحزبي والسياسي، او يحمل بعضهم موروثات سلبية عن العمل الحزبي والسياسي، تتعلق بوهم وظن تأخير وربما منع الالتحاق بالوظيفة العامة، مما يستدعي زيادة الجهود المستمرة من قبل الحكومة والاحزاب لتعزيز وعي وإدراك الشباب بأهمية مشاركتهم الفعالة في الاحزاب والانتخابات، ولا بد من تحسين وزيادة التوعية الفكرية والسياسية وتوضيح كثير من الامور المتعلقة بالعمل الحزبي والسياسي الذي اصبح متاحاً وتشجع عليه الحكومات والدوائر الامنية حتى، وأرى زيادة تقديم الدعم الفني للمرشحين الشباب والنساء، حيث يعد أمراً في غاية الاهمية، لضمان وصولهم للبرلمان.
ان برامج التوعية والتثقيف السياسي التي تبثها الحكومة والأحزاب، وان كانت متواضعة الا انها تساهم في رفع مستوى الوعي بحقوق وواجبات المواطنين، والشباب بالذات، وان تكثيفها قد يعزز من مشاركة الشباب والمرأة الفعالة في الانتخابات النيابية المقبلة والقريبة، ويقلل من التحديات التي تواجه الأحزاب والمشاركة السياسية، مثل ضعف القبول المجتمعي للعمل الحزبي، وضعف الثقافة الحزبية لدى الاكثرية، والتخوف من بيئة العمل الحزبي والسياسي. وحتى تتسم الانتخابات المقبلة بمشاركة عالية، هناك عدة عوامل يجب اخذها بعين الاعتبار، فلا بد من تجذير الوعي السياسي، ومأسسة ثقافة الحياة الحزبية بالمجتمعات وفي مراحل التعليم المختلفة، حيث إن الحياة الحزبية لم تبلغ مرحلة النضج والاستقرار بعد، ثم لا بد من التركيز وتفعيل دعم المواطنين وتقوية ايمانهم بالعمل الحزبي.
وفيما يتعلق بالأحزاب، لا بد من زيادة اهلية الاحزاب وفاعليتها وكفاءة الحزبيين وخبراتهم، ووضع سياسات وبرامج ذات اولوية وطنية واضحة وملحة وقابلة للتطبيق، تهدف لتنمية وطنية مستدامة وشاملة وتنعكس على الوطن والمواطنين بالنمو الاقتصادي والرفاه، وتسهم في حل المشكلات الاقتصادية والبيئية الاجتماعية، المتعلقة بالفقر والبطالة والتشغيل والفساد، ولا تكتفي بالتركيز على القضايا الجزئية والمصالح الشخصية الضيقة.
أما ما يتعلق بالمرشحين، فتلعب درجة الثقة التي يحملها الناخبون للمرشحين وايجابية الخبرات السابقة لهم من حيث الخدمات المقدمة للمنطقة المحلية بخاصة وللوطن بشكل عام، ومدى سعيهم في حاجة الناس وحل مشكلاتهم، في حال سبق ونجح هؤلاء المرشحون في دورات سابقة، واذا لم يسبق لهم الترشيح فسيرتهم الذاتية تكشف قدراتهم وامكانياتهم وكفاءتهم، فاذا كان المرشح موظفا عاما فسيرته وقدراته ونزاهته يعرفها زملاؤه وتابعيه، واذا كان المرشح من القطاع الخاص، كذلك يعرفه المتعاملون معه، ومن عمل بمعيته، اذا كان يقدم المصلحة الشخصية والاثراء، على حساب المصلحة العامة ومصلحة المساهمين والشركاء والموظفين. وكيف يتعامل هؤلاء المرشحون مع تعارض المصالح العامة والخاصة التي تتقاطع مع طمعهم ومصالحهم واستثماراتهم، ثم درجة وعي وثقافة وفكر المرشح ومؤهلاته العلمية وخبراته العملية، وان كانت هذه تعتبر اخر المعايير والدرجات في سلم اولويات الناخبين، فقد تتقدم عليها المحسوبيات والمصالح والعلاقات الشخصية والعشائرية، ثم المال الاسود الذي أصبح يسيطر على بعض الناخبين، كل ذلك يعتبر مؤشرات واضحة ومعايير دقيقة لفرز المرشحين ونجاحهم للجلوس تحت قبة البرلمان في الدورة القادمة.
ومن هنا جاء دور الحكومة في كشف وملاحقة المرشحين الفاسدين والمفسدين لضمائر اصحاب الحاجة والفقراء، واستغلال حاجتهم وعوزهم، من خلال شراء أصواتهم، فتحول دون وصول هؤلاء المرشحين لغاياتهم ومقاصدهم الرخيصة واحالتهم للقضاء ومنع ترشحهم، والحكومة تسعى جاهدة للسيطرة على هؤلاء واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.
وفيما يتعلق بالمواطن فنحن نعتبر ان كل الاردنيين مواطنون صالحون وفاعلون، لهم حقوق وعليهم واجبات، الا من شذ عن هؤلاء، فالمواطن الصالح والمنتمي هو اللبنة الاساسية في النظام الديمقراطي الاردني والساعي الى تحديثه وانجاحه، وهو الذي يبحث دائما عن الحقيقة التي هي ضالته ونشرها والانتصار لها، وليس الذي يغرف بما لا يعرف ويكيل التهم والاشاعات والتثبيطات ويضع العصي في الدواليب، بل يتابع القضايا الوطنية والمشكلات وتفاصيلها ويشارك في حلها، ويقترح حلول وافكار بديلة ومبدعة، ويشارك بمسؤولية في العملية الديمقراطية والسياسية وينخرط في الاحزاب، ويمارس حقه المشروع في الانتخاب ويؤمن بفرز نواب قادرين على تحمل المسؤولية بأمانة وكفاءة واقتدار، ومؤهلين للقيام بواجبي التشريع والرقابة على الحكومات، وليس الجالس في بيته يقلل من شأن الاخرين ويشكك بنزاهة وكفاءة العاملين وهو كَلٌ وعبئٌ على غيره أينما توجه لا يأتي بخير.
وفيما يتعلق بالحكومة ولتعميق التحول الديمقراطي في الاردن حسب رؤية جلالة الملك وللوصول الى نهج حكومات حزبية فاعلة، يجب الارتقاء في عمل الجهاز الحكومي لمستويات أعلى من التميز المهني، والاستمرار في التحديث والتطوير للمناخ السياسي الديمقراطي السليم، وتعزيز سيادة القانون وتطبيق انسب وأقوم الشرائع والمبادئ، التي من شأنها الوصول للحكومات الحزبية الفاعلة والكفؤة.
وحتى تأتي المرحلة المقبلة كما أراد جلالة الملك، فانه لا بد من المزيد من الاتحاد والاندماج لبعض الأحزاب السياسية في الأردن، التي تتقارب وتتشابه في الأيدلوجية والاهداف، ولا بد من ان تتعاون فيما بينها في بعض القضايا الأساسية، وتحقيق التوافق على القوانين والبرامج والسياسات الرئيسية التي تحقق تطلعات وآمال الاردنيين، ولا بد من تقليص عدد الأحزاب لثلاثة او أربعة، لان الازدحام يعيق الحركة كما قال الملك الراحل الحكيم الحسين بن طلال يرحمه الله، ونأمل أن تكون الانتخابات القادمة مختلفة عن كل ما سبقها وتحمل الكتل الحزبية برامج واقعية براغماتية، تترجم رؤية جلالة الملك التحديثية والمتقدمة، وتطلعات الأحزاب والمواطنون، فالإرادة السياسية جادة بإحداث تغييرات سياسية جوهرية في آلية الحكم بالأردن، والنظام السياسي مقتنع وجاد في اشراك المواطنين في صناعة القرار السياسي والإداري ومؤمن في ان الإصلاح والديمقراطية والاستقرار تنهض في الأردن وتحقق التنمية المستدامة الشاملة. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك