الأخبار

موسى حوامدة في اسطنبول.. لا أمد يدي للحروف إلا حين ترتوي روحي من نقصها وتفيض

موسى حوامدة في اسطنبول.. لا أمد يدي للحروف إلا حين ترتوي روحي من نقصها وتفيض
أخبارنا :  

موسى حوامدة

عامان مرَّا ولم أكتب الشعر، منذ كنت في مصر المحروسة، واجتاحت كورونا العالم، توقفت عن الكتابة، وبشكل أدق خانتني القصيدة، لم تعد تدق بابي، جفت القريحة، ومات الشعر، وكنت أشكو لبعض الأصدقاء، قلت ذلك لأكثر من صديق، ويوم أمس تحدثت مع الصديق الشاعر والمهندس مهدي نصير، والذي لم تستوعبه الأردن، فخرج إلى السعودية، وهو يعمل هناك، متحملًا هذه الغربة، وهي صعبة في هذا العمر، كنت أقول لمهدي: لم أكتب الشعر منذ سنيتن، وأخشى يا صديقي أنه غادرني، وكان مهدي يواسيني، قائلًا: (انا في السعودية كتبت مجموعة قليلة من القصائد نشر بعضها في الاسابيع الماضية في الدستور، أحاول الخروج من لغتي وتراكيبي وسياقات قصائدي القديمة، لم اكتب قصيدة كاملة منذ ٢٠١٦ وفي هذه الفترة كتبت بعض القصائد محاولاً تجاوز لغتي السابقة).

ولما قلت له لكن القصيدة لدي توقفت، ولا أدري كيف أكتب، لا تطاوعني، فرد مهدي قائلًا:

(لانك تبحث عن شيءٍ جديدٍ ومختلف وستجده لأن في داخلك شاعرًا حقيقيًا).

….

وصبيحة اليوم (يوم الأربعاء الماضي) كان لدي موعد مع عدد من المثقفين السوريين في اسطنبول وعلى رأسهم الصديقة الاعلامية التركية السورية أسمى أفندي، وقد تحدثنا مطولًا عن الشعر والهوية واللغة، وقد دعوني إلى إحياء أمسية شعرية في مركز حرمون الأسبوع المقبل (تححد الموعد مساء الثلاثاء المقبل في 4 تشرين أول).

ما كان يحزنني أنني لم أعد أكتب الشعر، ولسوف أقرأ من قصائدي القيدمة، وخاصة ما ورد فيها اسم سوريا، هل طارت القريحة وبقي الهيكل، هل نفدت الذخيرة، وبقيت بندقية فارغة من الرصاص، هل فرت القصائد، وظلت صورة الشاعر، وروحه، كنت أتساءل بيني وبين نفسي، وأهمس لي: وماذا ينفع الأسد، لو نزعت مخالبه وأسنانه، وماذا ينفع الصقر لو تساقط ريش جناحيه.

حاولت طيلة سنتين طبعا، دون فائدة، لم أجلس وأستمطر القصيدة، فهذه ليست سنتي في الكتابة، فأنا لا أمد يدي للحروف إلا حين ترتوي روحي من نقصها وتفيض.

كنت في أشد الحاجة إلى القدحة، إلى الشرارة، وظللت أبحث عنها، وأستنجد بها، كما كان يقول لي الصديق أحمد أشقر، عن علاقة غسان كنفاني بغادة السمان، أنه كان يبحث عن القدحة، ولكنها عزت عليَّ، وظل الصمت مطبقًا.

وبعد كل هذا العذاب وجدت نفسي هذه الليلة، تمور، وتتهجى في سرها بعض الكلمات، وشعرت أنها تريد الخروج، وتبحث عن سبب للبوح، تاكدت أن القصيدة تتململ داخلي، وتقترب من فوهة البركان، حتى بدون الشرارة، ستظهر، وفجأة انبجست الرغبة في الكتابة…وتدفقت…فكانت هذه الكلمات.. نعم ربما كانت الولادة عسيرة، ولكن ليست قيسرية، نعم خرجت على مهل، وببطء خفيف، ولكنها خرجت، على كل حال، وأتمنى ألا تكون الوثبة الأخيرة ………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………

القصيدة

حكمة ناقصة

لي حكمةٌ ناقصة

تنام في جيبي

تغيبُ طويلًا دون أن تشعرني بوجودها

أحيانًا …

تحك بإظفرها جلدي

ترفع رأسها كلما هُزمتُ من جديد..

أردُّ لها التحية

أضغط فوقها بشدة

نامي مجددًا ..نامي يا حكمتي

ما زلت أحب أخطائي

اتفيأ تحت ظلالها

وأمضي بها إلى طرق أخرى..

لي حكمةٌ كاملة

صُغتها من ركاكة الحٍكم

ومن جرأة الموج على الوثوب

و

نادرًا ما أفتح عليها صنبور المياه

أو أظهرها لعين الشمس

لا أريد تنظيفها من صدأ الخسارات

وضحالة البشر.

كم مرة أجلتُ فتح دفتري القديم

وكم مرة تغاضيت عن فتح دفتري الجديد

لا أحبًّ تَقليبَ العَناء

كمن يعيد النظر في تجاربه الفاشلة

لا أحب رؤية نفسي عاريًا منها

ولا أحب التعلم على كبر.

كانت لي حكمةٌ مبتورة

وطيبة شاسعة

وأحلام تسحق الظنون

وبذور قصائد كثيرة على شقتي

وما أن لوحت لها بيدي مناديًا:…

آه يا حكمتي القديمة…

حتى حنت رأسها

وأجهشت في بكاء طويل.

اسطنبول 28 ــ 9 ــ 2022

راي اليوم

مواضيع قد تهمك