د. حمزة الشيخ حسين : الشعب في جهة… ووزير الإدارة المحلية في الجهة المقابلة
د. حمزة الشيخ حسين
في خطوة مفاجئة، أقدم وزير الإدارة المحلية، معالي وليد المصري، على قرار حل المجالس البلدية المنتخبة، وعيّن رؤساء لجان بديلة، بعضهم كانوا رؤساء بلديات في قرى صغيرة أو نواحٍ محدودة، ليشغلوا مواقع في بلديات كبرى، في مشهد أثار موجة عارمة من الاستغراب والرفض الشعبي.
ماذا يعني أن تُلغى إرادة الصندوق بجرة قلم؟
وماذا يعني أن يُرسل ممثل منتخب ديمقراطيًا إلى بيته، ويُستبدل بشخص لم يحظَ بتفويض شعبي في المدينة التي أصبح رئيسًا لها؟
هذه الأسئلة لا تبحث عن إجابات فنية أو إدارية، بل عن تفسير سياسي وشعبي لما يحدث. فبينما ينادي الأردنيون منذ سنوات طويلة بحكومات برلمانية تمثلهم وتستند إلى إرادتهم، تأتي هذه الخطوة لتنسف مبدأ التمثيل الديمقراطي من أساسه، وتُعيدنا إلى الوراء، حيث تُتخذ القرارات منفردة، فوقية، ومعزولة عن وجدان الناس.
اليوم، نقف على ضفتين متقابلتين:
في ضفة الشعب، صندوق الاقتراع، والتفويض، والتمثيل الشعبي، والآمال بالتغيير عبر المسار الديمقراطي.
وفي الضفة المقابلة، قرار إداري مركزي منفرد، يهدم بجرة قلم ما بناه الناس عبر سنوات من المشاركة، ويستبدل الرغبة الشعبية برغبة فرد في مكتب حكومي.
ليس من الطبيعي ولا من المقبول أن يُحل مجلس منتخب قبل موعده بعام تقريبًا، تحت ذرائع مبهمة أو تبريرات لا تصمد أمام منطق الديمقراطية.
فإذا كان وزير الإدارة المحلية يملك هذه الصلاحية، فأين دور وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية؟ وما الجدوى من وجود أحزاب إن كانت عاجزة عن الدفاع عن أصل الفكرة الديمقراطية؟
وقوف الأحزاب موقف المتفرّج اليوم يبعث برسالة خطيرة: أن هذه الأحزاب لا تعبّر عن وجدان الناس، ولا تمثل الغالبية، بل تتفرج على تجريف المكتسبات الديمقراطية، وكأن شيئًا لم يكن.
إن قرار وزير الإدارة المحلية لن يصمد أمام السواد الأعظم من الأردنيين الذين صبروا على ضيق الأحوال، وتحمّلوا البطالة والمديونية وغياب الخدمات، لكنهم لم يرضوا يومًا بأن تُصادر إرادتهم وتُلغى أصواتهم.
اليوم، يطالب الناس بوضوح لا لبس فيه:
• إقالة الوزير فورًا.
• تحديد موعد قريب جدًا لإجراء انتخابات بلدية ومحافظات.
• رفض مطلق لأي صيغة تعيين تعود بنا إلى عصور المركزية والتفرد.
وزارة الإدارة المحلية، للأسف، تبدو منفصلة تمامًا عن الواقع الشعبي، ولا تلتقط نبض الشارع الأردني، ولا تستمع لصوت العقل الجمعي الذي يصر على التمثيل الديمقراطي كحقّ، لا منحة.
ويبقى السؤال الأخير:
لماذا نُنادي بالإصلاح السياسي إن كان أحد أعضاء الحكومة يصادر الديمقراطية وحده، ويمضي دون مساءلة؟
هل هذه هي الرؤية التي نُريد أن نُصدّرها لشعبنا والعالم؟
أم أن الوقت قد حان لإعادة الأمور إلى نصابها، والاحتكام مرة أخرى إلى صوت الشعب لا صوت القرار الفردي..