د. سند ابو راس : الصياد الماهر صبور: خطة نتنياهو الطويلة ضد إيران
في عام 2015، كان البرنامج النووي الإيراني تحت السيطرة. بفضل خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) التي أُبرمت في عهد إدارة أوباما، تم تقييد إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة لا تتجاوز 3.67%، وهي نسبة بعيدة جداً عن مستوى التخصيب المستخدم في الأسلحة النووية، وخضعت لمراقبة دولية مشددة. كانت الدبلوماسية، وليس الحرب، هي التي تكبح طموحات إيران.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رأى في هذا الاتفاق ليس ضماناً للأمن، بل تهديداً ليس لأمن إسرائيل فقط، بل لقدرتها الاستراتيجية على المناورة. وبعد عقد من الزمان، يبدو أن خطته طويلة الأمد تؤتي ثمارها.
اليوم، تخصب إيران اليورانيوم بنسبة 60%. وقد أصبح مخزونها النووي ضخماً. وإسرائيل، بعد سنوات من العمليات السرية والحرب في الظل، بدأت بشن ضربات عسكرية مفتوحة ضد أهداف إيرانية. وبينما قد يُنظر إلى هذا الوضع على أنه أزمة، إلا أنه يشبه إلى حد كبير السيناريو الذي عمل نتنياهو لسنوات على تحقيقه.
أزمة مخططة سلفاً؟
عارض نتنياهو الاتفاق النووي لعام 2015 منذ البداية. في خطاب مثير للجدل أمام الكونغرس الأميركي دون تنسيق مع البيت الأبيض وصف الاتفاق بأنه خطأ تاريخي سيسمح لإيران في نهاية المطاف بامتلاك ترسانة نووية. لكنه نادراً ما اعترف بأن الاتفاق وضع بالفعل قيوداً صارمة على البرنامج النووي الإيراني، وبشهادة المفتشين الدوليين.
فلماذا إذًا كان مصمماً على إفشاله؟
الجواب، كما يرى بعض المراقبين، هو أن نتنياهو لم يكن يخشى فشل الاتفاق، بل كان يخشى نجاحه. لأن اتفاقاً فعالاً يمنع إيران من تطوير السلاح النووي كان سيُضعف مبررات إسرائيل للتحرك العسكري. طالما التزمت إيران بالاتفاق، كان من الصعب على إسرائيل تبرير أي هجوم عسكري أمام المجتمع الدولي. ونتنياهو لا يريد للمجتمع الدولي أن يتقبل إيران أو أن يطبع العلاقات معها، بل يريد أن ينبذها المجتمع الدولي حتى يتمكن من إسقاط النظام.
لكن إذا انتهى الاتفاق؟ وإذا سمح لإيران بتكثيف التخصيب مجدداً؟ عندها، كان يعلم نتنياهو أن الأمور ستتغير.
من الدبلوماسية إلى الردع... ثم إلى الحرب
في عام 2018، وجد نتنياهو ضالته في الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وبدعم وتحريض مباشر من نتنياهو حسب تصريحات مسربة لاحقاً انسحب ترامب من الاتفاق النووي. أعيد فرض العقوبات، وانسدت أبواب الدبلوماسية. وكما تنبأ الإسرائيليون، بدأت إيران بتسريع برنامجها النووي.
خلال خمس سنوات فقط، أصبحت إيران تخصب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي نسبة قريبة جداً من درجة التخصيب المطلوبة لصنع قنبلة. فجأة، أصبح تحذير نتنياهو الممتد لعقود بأن إيران تخدع العالم مدعوماً بأدلة واقعية. ومع تحول الأنظار الدولية مجدداً نحو التهديد النووي، أصبح لإسرائيل الحق في التصرف ليس كدولة مارقة، بل كمدافع شرعي عن أمنها.
وقد تصرفت فعلاً.
خلال الأشهر الأخيرة، صعدت إسرائيل من عمليات التخريب الخفية والاغتيالات المستهدفة إلى شن ضربات مباشرة ضد منشآت إيرانية. وبالنسبة لنتنياهو، فإن هذه المواجهة ليست نتيجة فشل دبلوماسي، بل هي تتويج لخطة استراتيجية تعتبر المواجهة وسيلة للردع، لا خطراً يجب تجنبه.
الهدف النهائي: إسقاط النظام؟
بعض المسؤولين الإسرائيليين كانوا أكثر صراحة من غيرهم. في عام 2018، بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق، أخبر نتنياهو أعضاء حزبه «الليكود» أن حكومته هي من «أقنعت الرئيس الأميركي» بالخروج من الاتفاق. وعندما قال أحد الحضور إن «النظام الإيراني سيسقط قريباً إن شاء الله»، رد نتنياهو مبتسماً: «من فمك إلى الله».
بالنسبة لنتنياهو، لم يكن الهدف مجرد وقف تخصيب اليورانيوم بل إضعاف النظام الإيراني، ومن ثم إسقاطه. فكلما زادت عزلة إيران، وخُنقت اقتصادياً، وتعرضت للضغط العسكري، كلما زادت فرص انهيار النظام أو رضوخه التام.
واليوم، مع إيران التي تواجه حصاراً اقتصادياً، وضربات عسكرية، وتوترات إقليمية متزايدة، يبدو أن رؤية نتنياهو تتحقق تدريجياً.
مقامرة بمصير المنطقة
لكن لهذه الخطة ثمن باهظ. فالبرنامج النووي الإيراني الآن أكثر تقدماً بكثير مما كان عليه أثناء الاتفاق. والمنطقة على شفا حرب متعددة الجبهات. والدبلوماسية في حالة موت سريري. والتهديد الذي كان الاتفاق يسعى لتفاديه امتلاك إيران لقدرات نووية أصبح واقعاً محتملاً.
قد تكون استراتيجية نتنياهو قد نجحت في تحويل المواجهة من طاولة التفاوض إلى ساحة المعركة. لكن المخاطر اليوم أكبر من أي وقت مضى، والطريق نحو حل دائم لا يزال غامضاً. ما هو واضح، هو أن انهيار الاتفاق النووي لم يكن صدفة. كان خطوة محسوبة استراتيجية، محفوفة بالمخاطر ولكنها مقصودة.
والحرب التي نشهدها اليوم؟
هي الحرب التي أرادها نتنياهو منذ البداية.