الأخبار

اسماعيل الشريف يكتب : دولة فلسطينية

اسماعيل الشريف يكتب : دولة فلسطينية
أخبارنا :  

سنقدم للفلسطينيين نقاطًا محددة بشأن التفاوض حول القدس، ولن يُسمح لهم بتجاوزها أو الخروج عن التعليمات التي نُصدرها بشأن القدس الشرقية. وعلى الفلسطينيين أن يُدركوا أنّ عليهم تقديم تنازلات جوهرية مُسبقًا، قبل أن يوافق اليهود على الجلوس معهم إلى طاولة المفاوضات.-جيمس بيكر، وزير خارجية امريكي.

قبل مغادرة غورباتشوف، آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي، للكرملين بأسبوع، قام بسرقة وثائق بالغة الأهمية. وبناءً عليها، أسّس لاحقًا مركزًا للدراسات والأبحاث. ومن بين الباحثين في هذا المركز كان بافيل سترليف، الذي سرق بدوره جزءًا من تلك الوثائق، وألّف اعتمادًا عليها كتابًا بعنوان: «ما وراء عاصفة الصحراء: أرشيف مسروق من الكرملين»، وثّق فيه أحداث حرب الخليج الثانية عام 1990، حين اجتاح صدام حسين الكويت.

ويذكر الكتاب أن الرئيس صدام حسين، أثناء حرب الخليج، ربط بين انسحاب قواته من الكويت وانسحاب الكيان الصهيوني من الأراضي الفلسطينية التي احتُلّت عام 1967. إلا أن الرئيس جورج بوش الأب لم يكن مستعدًا لمنحه هذه الورقة، فآثر سحب البساط من تحت قدميه بإطلاق مبادرة سلام فلسطينية–»إسرائيلية».

وقال بوش: «نعم، نستطيع تنفيذ مطلب صدام، لكننا لن نفعل ذلك.»

وفي قمة هلسنكي، اجتمع زعيما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ورفضا الربط بين انسحاب صدام من الكويت والقضية الفلسطينية. وقرّرا إطلاق مفاوضات فلسطينية–»إسرائيلية»، بتنسيق أوروبي، وبرعاية أمريكية، روسية، وأممية.

وفي الوقت الذي كانت فيه صواريخ صدام تتساقط على تل أبيب، تعاطف العالم مع الكيان الصهيوني، وحيّى الإعلام الغربي «صبر» الصهاينة، الذي كان بتوجيه أمريكي صارم. واستغل الصهاينة هذا المشهد لتصوير أنفسهم كحمل وديع وسط غيلان مفترسة!

ثم، ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، تحوّل الاتفاق المشترك إلى خطة أمريكية خالصة، أطلقت سلسلة من المفاوضات غيّرت الكثير من المفاهيم: فأصبحت «إسرائيل» أمرًا واقعًا، وتراجعت القضية الفلسطينية عن صدارة الأولويات العربية، وتم الترويج لأن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية الموعودة في «أبو ديس» بدلًا من القدس.

هكذا، انهار حلم الشعوب العربية بالصلاة في المسجد الأقصى محرَّرًا، وسقط الادّعاء بأن القدس هي القضية المركزية، بينما تحوّلت منظمة التحرير – بعد أن سلّمت سلاحها – من منظمة تُصنّف «إرهابية» إلى كيان سياسي معترف به.

وتوالت بعد ذلك عشرات جولات المفاوضات الفلسطينية–»الإسرائيلية»، تحت شعار إقامة دولة فلسطينية.

لكن الأدبيات الأمريكية والصهيونية تكاد تُجمع على أن المفاوضين لم يكونوا جادين؛ فالهدف كان دفع الفلسطينيين لتقديم المزيد من التنازلات، وتقليص سقف توقعاتهم، وإضعاف السلطة دون إسقاطها، ومنع المصالحة الداخلية، وتعزيز التنسيق الأمني مع الكيان.

لكن هذه المرة، تغيّر هدف «إقامة الدولة الفلسطينية». بدأت تتسرّب تصريحات تُفيد بأن الرئيس ترامب قد يُعلن اعترافه بدولة فلسطينية.

غير أن هذا الاعتراف – إن حدث – لم يكن بدافع إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني أو إنصافه، بل أُريد به تأديب حليف الولايات المتحدة: الكيان الصهيوني.

يوظف الأمريكيون اليوم «الدولة الفلسطينية» لا من أجل الفلسطينيين، بل كورقة تهديد في وجه الكيان؛ يستخدمها ترامب للتلويح بها وإخافة نتن ياهو.

رسالة ترامب كانت صريحة: «إن لم تُوقف الحرب، فسأعترف بدولة فلسطينية!»

وقد نرى في قادم الأيام «دولة فلسطينية» ترى النور، بلا حول ولا قوة، ممزّقة الأوصال، خاضعة للوصاية الأمريكية، تُدار من حلفاء واشنطن، منزوعة السلاح، عاجزة عن الدفاع عن نفسها.

دولة ليست أكثر من فزّاعة تُستخدم لتأديب الصهاينة، لا لإنصاف الفلسطينيين.

لا تُصدّق أبدًا أن هناك دولة فلسطينية حقيقية في الطريق؛ فهذا الوعد نسمعه منذ أكثر من ثلاثين عامًا.

كل بضع سنوات يظهر مصطلح جديد: «خارطة طريق»، أو «جسر للسلام»، أو «فرصة سانحة» لا لإنشاء كيان مستقل، بل لاستخدام هذه العناوين أدواتٍ للضغط، أو لتبرير توجهات سياسية جديدة، أو لإضعاف المقاومة. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك