محمد ابو رمان : فكّ «شيفرة ترامب»!

تأخذ الزيارة الحالية للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى الخليج أهمية كبيرة استراتيجياً، مقارنةً بزيارات زعماء أميركيين سابقين للمنطقة، أو حتى قادة سياسيين آخرين، لأسباب رئيسية؛ الأول يتعلّق بالوضع الراهن في المنطقة العربية، إذ تمرّ بمرحلة شديدة من الفوضى الإقليمية والداخلية في العديد من الدول، مما يصعّب بدرجة كبيرة التنبؤ بالمرحلة القادمة، والسبب الثاني شخصية الرئيس ترامب التي تتسم أيضاً بطابع التقلب والمفاجآت والتحرر من القيود التقليدية التي تحكم غيره من الرؤساء الأميركيين.
وإذا كان من المبكّر أن نحكم أو نعرف ما في زيارة ترامب من مفاجآت أو نتائج كبيرة على سيناريوهات المرحلة القادمة، فإنّ الرجل فجّر عشية وصوله إلى المنطقة بعضاً منها، وقلب كثيراً من الأمور والتوقعات والتحليلات المتعلّقة بالمرحلة القادمة رأساً على عقب، بخاصة على صعيد ملفين رئيسين؛ الأول ملف سورية والثاني ملف الحرب على غزة، بل العلاقة مع إسرائيل والدول العربية على الجهة المقابلة.
فيما يتعلّق بملف سورية، صرّح ترامب أنّه يفكّر جدياً برفع العقوبات أو تخفيفها عن سورية، وأن يعطي دعماً للنظام السياسي الجديد، بناءً على طلب من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وهذا تطوّر مهم يتناقض جذرياً مع الأجندة الإسرائيلية، بخاصة في الجنوب، ومحاولة تأليب الأقليات ودفع البلاد إلى الفوضى واحتلال جزء منها، فمن الواضح أنّ ترامب لم يقبل بمقاربة نتنياهو وتحريضه الشديد على النظام السوري الجديد، ويبدو أنّه – أي ترامب- بات أقرب إلى تبني المنظور التركي والسعودي بهذا الخصوص، بالرغم من أن نتنياهو حاول سابقاً عندما كان في زيارة للبيت الأبيض أخذ ضوء أخضر أميركي لعدوان إسرائيل في سورية وضد تركيا، وهو الطعم الذي لم يبتلعه ترامب سابقاً، ثم أخذ مسافة أكثر وضوحاً عشية زيارته للخليج عندما تحدث عن رفع أو تخفيف العقوبات على سورية.
الملف الثاني يتمثّل بالأزمة بينه وبين نتنياهو، وهي وإن كانت تأخذ طابعاً مرتبطاً برئيس الوزراء الإسرائيلي وأجندته السياسية، التي يبدو أنّ ترامب بدأ يفك الارتباط بها، خلافاً للمرحلة الماضية التي بدا فيها نتنياهو وكأنّه يهيمن بمنظوره عليه؛ إلى أي مدى يمكن أن تؤثر هذه الأزمة على المرحلة القادمة، سواء على صعيد الحرب على غزة، أو على صعيد العلاقة مع إيران، أو على صعيد المنظور الأميركي للمنطقة بأسرها، ومستوى التباين مع رؤية اليمين الإسرائيلي، هذه هي الأسئلة المهمة والرئيسية..
قد يقال الكثير عن سبب الاختلاف والتباين، وربما يصفها البعض بالأزمة بين ترامب ونتنياهو، وقيل الكثير في الإعلام الإسرائيلي والأميركي حول ذلك، لكن ما يميل إليه كاتب هذه السطور هو أنّ السعوديين درسوا جيداً كيف يتعاملون مع الرئيس الجديد، وكيف يأخذونه مسافة عن المنظور الإسرائيلي، فقدموا له الصفقة التي يحلم بها، من إغراء بعملية تسوية سلمية تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، ما يقرّبه من جائزة نوبل، وإنهاء الحرب في غزة من خلال بنود ترضي الأميركيين والعرب، وصفقات تجارية وتطبيع رابح مع أميركا وإسرائيل، وعلاقات إقليمية متينة، والعديد من المكتسبات الكبيرة، فلماذا يرفض ذلك كلّه ويمضي وراء نتنياهو وفريقه اليميني؟!
الدور القيادي السعودي، في المرحلة الراهنة، مهم، ويقومون بتغيير كبير في المقاربة العربية تجاه السياسات الإقليمية، والتعاون السعودي في ملفات عديدة مع تركيا ومصر والأردن والإمارات يدفع نحو تعديل في الاختلالات الكبيرة التي حدثت منذ الحرب الإسرائيلية على غزة..
لا يمكن القول بأنّ هنالك استدارة كاملة من قبل الرئيس الأميركي ترامب، فالرجل غير متوقع، وحمّال للمفاجآت وملك الاستدارات، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فبالرغم من المساحة الواسعة التي يتحرّك فيها هنالك حدود وخطوط لن يتجاوزها، ربما هو يدخل في مرحلة من الأزمة مع نتنياهو، لكنّه لن يذهب أكثر نحو ما يضرّ المصالح الإسرائيلية أو الأميركية- الإسرائيلية، لأنّه يعلم تماماً أنّ هنالك قاعدة داخلية عريضة ولوبيات وحقول ألغام، فمستوى المناورة محدود، لكنها فرصة لتوسيع الفجوة بينه وبين نتنياهو، وإن كان الواقع الإقليمي صعباً والواقع الفلسطيني حالياً أكثر صعوبة، حتى لا نرفع أيضاً مستوى سقف التوقعات!