الأخبار

الجرائم النفسية والمسؤولية المجتمعية

الجرائم النفسية والمسؤولية المجتمعية
أخبارنا :  

عمان - عبدالحافظ الهروط

- الكوفحي: مشكلات عائلية متراكمة
أخذت الجرائم المجتمعية تتنوع وتزداد حتى صار المواطن يصحو على جريمة ما، تتبعها جريمة أخرى مشابهة أو من نوع مختلف، خلال ساعات اليوم، وقد تحدث أكثر من مرة في أي وقت من أوقات الأسبوع أو الشهر.

هذا ما يدعو المجتمع للقيام بمسؤولياته على صعيد الأسرة، من خلال التعاون مع الأجهزة المعنية للوقوف على أسباب هذه الجرائم والعمل على الحد منها.

من الجرائم المجتمعية، تبرز حالتا القتل والعنف الأسري، وقد شكّلتا جرائم كانت في سنوات ماضية بعيدة، وتبدو مستهجنة وغريبة على المجتمع. على سبيل المثال، كانت جريمة القتل تحدث إما لأخذ الثأر أو لسلب المال والسطو على الممتلكات والمنازل وتهديد الأفراد.

من هذه الجرائم، تأتي جرائم المخدرات والعنف الأسري والمجتمعي، وعن أسبابها والمسؤولية المجتمعية لمواجهتها، تحدث لـ"الرأي» الأستاذ المشارك في كلية الآداب بالجامعة الأردنية (قسم علم النفس)، د. فراس الحبيس، ورئيس بلدية إربد الكبرى المهندس نبيل الكوفحي، كما عرض أشخاص تجاربهم بعد استشفائهم من هذه الجرائم.

يبيّن د. فراس الحبيس أن أسبابًا عديدة تدفع بعض الأشخاص للقيام بعدد من جرائم العنف الأسري أو المجتمعي، ومن هذه الأسباب: أن هؤلاء الأشخاص يعانون من أمراض نفسية لم تُكتشف، كما أن هناك آخرين يتعاطون المخدرات، وهي منتشرة في العديد من المناطق، وباتت بيئة حاضنة تؤدي أيضًا إلى الجرائم التي تهدد حياة الأسرة والمجتمع، حيث يتصرف المتعاطون بلا وعي وبشكل كامل.

وفي الحالتين (الأمراض النفسية والمخدرات) يجب على المجتمع مراقبة هؤلاء الأشخاص والإبلاغ عنهم، باعتبار المراقبة والإبلاغ مسؤولية مجتمعية.

ويدعو الحبيس، مؤسسات المجتمع المدني، بما فيها الجمعيات الخيرية، للقيام بحملات توعوية تناقش خطورة الجرائم والعقوبات المفروضة على مرتكبيها من قبل مؤسسات حقوق الإنسان والجهات المعنية الأخرى.

ويتمثل هذا الدور التوعوي في إيجاد خطوط (أونلاين) مع هذه الجهات لإبلاغها بالأشخاص الذين يرتكبون الجرائم أو أشكال العنف الأسري، حيث يُعد هذا التواصل التكنولوجي بلاغًا أمنيًا. كثير من الحالات التي تتعلق ببعض الجرائم يصعب إيصال أصحابها إلى تلك الجهات المسؤولة، إما لأسباب حقوقية أو لحماية المبلغين، بحسب الحبيس.

ويلفت إلى دور وسائل الإعلام في الحد من هذه الجرائم وظاهرة العنف التي تُرتكب بحق الطفل والمرأة باعتبارهما الحلقة الأضعف في المجتمع ويحتاجان إلى الحماية الحقوقية والقانونية.

ويزيد د. الحبيس أن الدور الإعلامي يمتد كذلك إلى طلبة المدارس والجامعات، ما يتطلب الاستعانة بالمرشدين التربويين والنفسيين في مدارسهم وجامعاتهم، سواء لتوعيتهم في حقوقهم الأسرية أو لمعالجتهم النفسية.

من جهته، يرى رئيس بلدية إربد الكبرى المهندس نبيل الكوفحي أن المسؤولية المجتمعية لها دور كبير في الحد من هذا الجانب الجرمي، والذي يشكل حالة مفزعة للمجتمع.

ويشير إلى أن أسباب هذه الجرائم غالبًا ما تكون محاطة بظروف عائلية ومشكلات متراكمة، والقصد هنا الأقارب والأصدقاء والجيران. فتدخل هؤلاء مطلوب شرعًا وعرفًا لحل هذه الخلافات التي قد تتطور إلى مشكلات.

ويضيف أن إصلاح ذات البين مهمة شرعية مجتمعية تُصنف ضمن فروض الكفاية على العموم، لكنها ضمن الفروض العينية بالنسبة للأقارب والأصدقاء والجيران.

ويستشهد بقوله تعالى في سورة الحجرات: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ».

كما يبين في سورة أخرى بقوله: «لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا»، فالدلالة واضحة في الآية على فضل الإصلاح بين الناس. جاء في الحديث الشريف: «أَلَا أَدُلُّكُمْ على أَفْضَلَ من درجةِ الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ. قال: إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ. لا أقولُ: إنها تَحْلِقُ الشَّعْرَ ولكن تَحْلِقُ الدِّينَ».

ويؤكد أن المجتمع مطالب بالتدخل بسرعة لحل الخلافات، وغالبًا ما تنجح هذه التدخلات ويتم تسوية الأمور التي تتطلب من المجتمع اتخاذ إجراءات احترازية لمنع وقوعها، والتي غالبًا ما تكون في حالات غضب، حيث يغيب العقل والوعي عن نتائج الجريمة، ومنها حماية الضعفاء من الطرف القوي.

ويرى أن المجتمع مطالب بإبلاغ الأجهزة المعنية، ومنها حماية الأسرة في مديرية الأمن العام والتنمية الاجتماعية أحيانًا للتدخل بإجراءات قانونية عاجلة قد تشمل نقل الأطفال إلى دور رعاية أو الحجز التحفظي على الأطراف البالغة لحين حل المشكلات.

كما يشير إلى أن هذه التدخلات أصبحت ضرورة لحماية الأطراف الضعيفة مثل الأطفال والنساء من الجميع. فالسكوت عن هذه الجرائم والسماح بتكرارها نتيجة عدم اتخاذ إجراءات احترازية يجعلنا جميعًا شركاء.

ويعتقد الكوفحي، أن ثقافة الستر لا ينبغي تطبيقها في مثل هذه الحالات، والتي تفسر بشكل خاطئ، فمنع وقوع الجريمة هو واجب. قال تعالى: «وَمَن أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا».

والمطلوب من الجهات الرسمية والإعلام والكتّاب والعشائر والمصلحين والخطباء الإكثار من الحديث عن هذه المسؤولية المجتمعية تجاه الجرائم، مؤكدًا أن الجرائم ستستمر؛ لكن من المؤكد أيضًا أن هذه الإجراءات ستأتي بخير. قال تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ».

وعن تجاربهم مع آفة المخدرات والأمراض النفسية، بعد تعافيهم، يقول (م.م): «لقد غرر بي رفاق السوء عندما وقعت ضحية لتعاطي المخدرات، إذ لجأت لأعمال مرفوضة اجتماعيًا، إلا أن والدي تدارك الأمر مبكرًا، وألزمني أحد المستشفيات الخاصة، إلى أن تعافيت لأواصل حياتي الاعتيادية».

ويصف (أبو سعيد) حالة أحد أبنائه بأنه بدأ يظهر بتصرفات غريبة في سن الثامنة عشرة مهددًا إخوته وأمه، وأحيانًا يقوم بضربهم. ويقول: «هذه التصرفات العدوانية، لم نعرف أسبابها، إلا بعد إدخال ابني أحد المستشفيات، إذ أخبرنا الطبيب المختص بأنه يشك بكل من في محيطه». ويضيف، نقلاً عن الطبيب: «ابنه لا يشعر أنه مريض، ولذلك لا يلتزم بالدواء، ويشك أن هناك من يريد أن يسممه، قبل أن ننجح في وضع الدواء في الشراب الذي يتناوله دون علمه، إلى أن منّ الله عليه بالشفاء».

ــ الراي

مواضيع قد تهمك