الأخبار

د. عادل الحواتمة : تأثيرات إدارة ترامب الثانية على السياسة الدولية (2)

د. عادل الحواتمة : تأثيرات إدارة ترامب الثانية على السياسة الدولية (2)
أخبارنا :  

يناقش هذا المقال التغيرات المُحتملة على سلوك السياسة الخارجية الأميركية بعد عودة ترامب، وخاصةً مستقبل العلاقات الأميركية الأوروبية من خلال قضيتين: أولًا، مستقبل بقاء الولايات المتحدة عضوًا «فاعلًا» في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وثانيًا، تشكيل أو إعادة تشكيل الموقف الأوروبي من كيفية إنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا.

هذه المقاربة الخاطفة تستند إلى التجربة التاريخية، من خلال قراءة سلوك الإدارة الأميركية تحت قيادة ترامب في ولايته الأولى 2017-2021، وتصورات الاتحاد الأوروبي لنتائج الحرب الروسية الأوكرانية على مستقبل وأمن أوروبا، وايضًا تصورات ترامب للولاية الرئاسية الثانية.

كانت مسألة المساهمات المالية الدفاعية الأوروبية لحلف الناتو مسألة خلافية بين ترامب والأوروبيين وذلك بتخصيص 2٪ من الناتج المحلي للدول الأعضاء في الحلف والبالغ عددها اثنتين وثلاثين دولةً. ولقد حاول ترامب استخدام سياسة العلاج بالصدمة خلال ولايته الأولى لحث الأوروبيين على رفع المساهمات الدفاعية، ويعتبر الكثيرون أنه نجح في ذلك لدرجة كبيرة. حيث سحب ترامب اثني عشر ألفًا من الجنود الأميركيين من ألمانيا: عاد نصفهم إلى الوطن، والنصف الآخر أعُيد نشره استراتيجيًا في قواعد أميركية في بلجيكا وإيطاليا. وكان السبب الرئيس، هو الضغط على ألمانيا بشكل خاص، كونها دولةً غنية لرفع حصتها الدفاعية في الحلف، والذي يقوم على مبدأ «الكل من أجل واحد، وواحد من أجل الكل».

استقبل الحلف نبأ فوز ترامب على مضض، على الرغم من عبارات التهنئة اللطيفة التي أطلقها الأمين العام للحلف مناشدًا ترامب للعمل المشترك تجاه عدة قضايا، وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية. والآن وبعد انتخاب ترامب، لا مفر للطرفين من ضرورة ٌإيجاد معادلة متوازنة تُحقّق سياسات ترامب من جهة، وتحفظ تماسك الحلف من جهة أخرى، خاصة أن الحلف الآن يولي هذا الموضوع عنايًة بالغًة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية. وبالمقابل أيضًا، لا يمكن القول إن الحلف أصبح نافلة أو هامشيًا للولايات المتحدة الأميركية. فالتحالف الصيني، والروسي، والكوري الشمالي، وإلى حد كبير إيران، ومجموعة بريكس جميعها مصادر تهديد للمصالح القومية الأميركية، وبالتالي لا غنى عن بقاء الحلف قويًا، وعن ديمومة استمرار عضوية فاعلة للولايات المتحدة به، فالعلاقة استراتيجية ومصلحية ولا تلغيها إدارة أميركية تفتقد للبعد الاستراتيجي في إدراك أهمية التحالفات الأمنية.

عُقدة ترامب المالية مع الحلف قد يُنظر اليها بشيء من التبرير لاعتبارات العدالة بين مساهمات الأعضاء، وبسبب العدوان الروسي على أوكرانيا، وهذا من شأنه دفع الدول الأوروبية لزيادة إنفاقها الدفاعي. ولكن هذه العلاقة الأميركية الأوروبية التي يُنظر إلى الجزء المالي منها أنه قد سُوّي إلى حد كبير، قد تتأثر بسبب طبيعة المواقف المُفترضة تجاه صيغة معينة لوقف الحرب الدائرة الآن، والتي قد تكون مثارًا للخلاف من جديد، على الرغم من كون الحرب بررت رفع الإنفاق الدفاعي للدول الأوروبية. كما ستخضع العلاقة الأميركية الأوروبية نتيجة إبرام معاهدة سلام بين أوكرانيا وروسيا لتصورات كل من أوروبا لكيفية تحقيق مصالحها وحفظ أمنها، وأيضًا تصورات ترامب لولايته الرئاسية الثانية. هذه الولاية ستكون الأخيرة لترامب، وبالتالي قد يتصورها كفرصة لإنهاء الحروب في العالم، كما ادلى بالكثير من التصريحات والوعود خلال الحملة الانتخابية، وبالتالي سيسعى إلى التأثير على الأطراف الفاعلة فيها بشكل مباشر وغير مباشر.

إن التأخر الحاصل في إبرام اتفاقية سلام بين روسيا وأوكرانيا عقّد الموقف، فمن ناحية، إن وصول روسيا لمناطق سيادية أوكرانية يُصّعب عليها التخلي عنها، وبالمثل فإن خسارة أوكرانيا للكثير من الأراضي والأرواح يجعلها في موقف حرج داخليًا وأوروبيًا من قبول اتفاق سلام لا يضمن حقوقها. لذلك، فإن رغبة ترامب في إنهاء الحرب لا تكفي وحدها للقيام بذلك. وبالتالي لا بد من قبول أوروبي وأوكراني وروسي لأي صياغات من شأنها وقف الحرب. وليس من السهولة بمكان دفع الجميع لقبول مقترح قد يهدد مصالح الأطراف السابق ذكرها. فالتصورات الأوروبية لأمن أوروبا، وخاصة بعد الاعتداء الروسي، قد تغيرت من ناحية أن أي قبول لصفقة تمنح روسيا جميع الأراضي التي استولت عليها يُعتبر بمثابة تفريط بمعادلة الأمن الأوروبي، وسيشجع روسيا في المستقبل للقيام بالعمل ذاته إذا لم يكن هناك موقف أوروبي صلب. ومع ذلك، فإن الحصول على ضمانات روسية بعدم تكرار ذلك مع أوكرانيا أو أي بلد أوروبي آخر، من شأنه أن يُسهّل قبول الناتو فكرة الدخول الأوكراني في المفاوضات.

العلاقة الأميركية الأوروبية متداخلة المصالح ضمن مستويات معينة، وبالرغم من ظهور تباينات وخلافات، إلا أنها لا ترقى لمستوى يُنتج طلاقًا استراتيجيًا بينهما. لذا، أعتقد أن الناتو يشكل ركيزةً أساسيةً في صنع وتنفيذ السياسة الخارجية الأميركية، وأن بقاء الولايات المتحدة به ضرورة لا يمكن التنازل عنها. كما أعتقد أن الدعم الأميركي لأوكرانيا سيستمر خلال ولاية ترامب الثانية، ولكنه سيكون مشروطًا للدخول في مفاوضات مع روسيا، وسيتم الضغط على الناتو لقبول انخراط أوكرانيا في محادثات سلام، وبالمقابل سيتم طمأنة روسيا بعدم السماح لدخول أوكرانيا في الحلف، على الأقل، في الوقت القريب، وإعادة احترام الاتفاقيات السابقة؛ والتي تضمن ابتعاد الناتو عن الأراضي الروسية. كما أن رفع العقوبات عن روسيا وقبول عودتها فاعلة في المجتمع الدولي واحتفاظها بجزء من الأراضي التي استولت عليها قد تبدو محفزات لدخولها في محادثات سلام فعّالة، فالداخل الروسي أيضًا مُنهك، ويريد انتهاء الحرب، كما أن بوتين يدرك المخاطر الاستراتيجية التي يمكن أن تترتب على موسكو في حالة استمرار الحرب. ــ الراي

مواضيع قد تهمك