بشار جرار : تسوية الصفوف
كنت ممن أكرمهم الله بشرف الاعتدال والانفتاح، فدخلت بيوتا كثيرة يرفع فيها اسم الله، من ديانات ومذاهب وطوائف شتى في الوطن والمهجر. أرجو ربي سبحانه -والله تعالى من وراء القصد- أن تكون صلاتي فيها كلها مقبولة، شفيعي بذلك أن كثيرا من الصلاة مناجاة، قبل أن تأذن بعض شعائرها بالبوح لقريب أو بعيد.
ولَعي بحوار الأديان والحضارات لغايات التقريب والتهذيب، التبشير لا التنفير، فتح أمام عيني وروحي الأبواب مشرعة للتأمل في كيفية البناء الهندسي لكثير من المساجد والجوامع والصوامع والكنائس. ثمة مكانة خاصة للمحراب وللمذبح. الأصل أن رب الأرباب سبحانه هو وحده المقصد والموئل والمنتهى. أما اجتماع الناس خلف وحول مراكز دور العبادة -محرابا أو مذبحا، فتلك مسألة أعلم بها أولي الألباب من أهل العلم والكهنة وخدّام بيوت الرحمن. الأصل التواصل وله قواعده الهندسية أيضا. المركز يعلن عن نفسه أولا ومن حوله تكتمل الدوائر ويبنى ويعلو ويسمو بذلك المعمار الروحي.
اللطيف الذي يدعو كل حصيف إلى التأمل في تلك القباب التي جمعت بين السماوي والأرضي، الديني والسياسي، ثمة قبة يلتقي الجميع تحتها يتفيّأ ظلالها، وهي بلغة السياسة قبة البرلمان بمجلسيه الأعيان والنواب، وبأعضائه على اختلاف توجهاتهم السياسية ومنطلقاتهم الفكرية، وكل ما بينها أو وراءها من ثراء منسوج نسجا لا مركّبا ولا مبنيّا. لطالما كنت ضد ترداد تسميات مستوردة كمصطلح «مكونات» وهو أقرب إلى الترجمة الحرفية لمفهوم «كُنْسْتِتْشُوِنْتْسْ» في الديموقراطية الغربية وخاصة الأمريكية.
في الأردن الهاشميّ هناك أردنيون فقط من حيث الانتماء والولاء- من مختلف المنابت والأصول- كلهم أردنيون وجميعهم في حماهم وفي كنفهم ضيوف، بعضهم حديث العهد وبعضهم الآخر قديم قدم الوطن لا الدولة فقط التي افتتح برلمان مئويتها الثانية، سيدنا عبدالله الثاني يوم الإثنين. افتتح الجلسة بخطاب العرش السامي، بجلالته الهاشمية وفروسيته العسكرية وروحه الأردنية التي تجسد أرقى وأعمق معاني تحية العلم وخدمة اللواء وفداء الراية.
تحت هذه القبة السامقة البهية ثمة صلاة وأمانة ورسالة لا يليق بها إلا توحيد الصفوف.. المقبل من الأيام لا ريب شديد الأهمية وقد يكون بالغ الحساسية ولربما الخطورة أيضا. لكنها تجاربنا -تجارب الأجداد والآباء- التي صقلتنا وشدت من عودنا وقوّت من صلابة ظهرنا وزندنا، هي التجارب التي ننجح دائما بتحويل تحدياتها إلى فرص. والمعيار واضح لن يكون للأردن ومن المملكة ومع هذا الوطن المفدى إلا ما ينسجم مع مبادئه أولا ومصالح ثانيا. على هذا الصراط المستقيم رسم جلالة قائدنا المفدى خطّ الثبات والنجاة فبلادنا عصية على دعاة المغامرة. بسبّابته المباركة أشار إلى «النشامى النشامى» الجيش وسائر الأجهزة التي هي عماد أمننا وآماننا ومن نستضيف ومن بنا استجار ويستجير، أشار إليهم مثالا بهم نقتدي.
أعياننا ونوابنا لن يكونوا إلا كما البنيان المرصوص، صفّا واحدا وإن تعددت الصفوف تحت القبة، لن يكونوا بعون الله إلا نِعم السند لعقال الراس وشماغه، والعرش والأردن المفدى..
ــ الدستور