اسماعيل الشريف : «وعد من لا يملك لمن لا يستحق» (...).
اسماعيل الشريف :
بعد أيام قليلة تحل ذكرى أليمة على كل عربي حر، ألا وهي «وعد بلفور»، وهي الرسالة التي أرسلها «آرثر جيمس بلفور» إلى اللورد «ليونيل والتر دي روتشيلد»، يشير فيها إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وكان لهذه الرسالة دور أساسي لإضفاء الشرعية على احتلال فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني، وساعدت على تشجيع هجرة الصهاينة إلى فلسطين.
تعود قصة هذا الوعد إلى العام 1897، حين عُقِد أول اجتماع للمجلس الصهيوني في بازل في سويسرا، وكان من نتائج الاجتماع تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية، وانضم تحت جناحها 117 منظمة يهودية في العام الأول ثم 900 منظمة في العام الذي تلاه.
اقترحوا أماكن مختلفة لدولتهم من ضمنها فلسطين والأرجنتين وقبرص وتكساس وأوغندا، ولكنهم استقروا على فلسطين، فأرسلوا اثنين من حاخاماتهم إلى فلسطين لتحري إذا ما كانت مناسبة، وجاءتهم الرسالة السرية من مبعوثيهما كُتب فيها: «العروس جميلة، ولكنها متزوجة من رجل آخر». فعرفوا أن الفلسطينيين سيشكلون عقبة في وجه قيام دولتهم، فالمسلمون والمسيحيون يشكلون 96% من الشعب هناك، ويملكون 99% من الأراضي.
تبرهن وثائق عديدة على أن دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الأولى كان نتيجة الضغط الصهيوني مقابل أن تصدر بريطانيا «وعد بلفور»، فقبل الحرب ضغط الصهاينة على بريطانيا لإصدار هذا الوعد،إلا أن بريطانيا كانت ترفض، ولكن في يوم من أيام الحرب في عام 1916 قتل ستون ألف جندي بريطاني دفعة واحدة، وكادت الكفة أن ترجح لألمانيا في الحرب، فاستغل الصهاينة الموقف، واتصل قادة من الصهاينة بالإنجليز ووعدوهم بأن صهاينة الولايات المتحدة سيضغطون من أجل خوض الحرب إلى جانب البريطانيين، شريطة أن تَعِد بريطانيا بدعم الصهاينة في إقامة دولتهم على أرض فلسطين.
كتب «صموئيل لاندمان»-سكرتير المنظمة الصهيونية العالمية- تفاصيل القصة كلها في المجلة اليهودية عام 1936،وكتب وزير المستعمرات البريطاني عام 1923 رسالة إلى مجلس الوزراء قال فيها: وعد بلفور كان تعاطفًا من الحلفاء مع الصهاينة، ولا شك في أنه السبب الذي أدى إلى دخول الولايات المتحدة الحرب، كما قال اللورد «لويد جورج»-رئيس الوزراء السابق للجنة نيابية بريطانية عام 1935-:إن قادة الصهيونية قد وعدونا بأنه عندما يُمنح الصهاينة وطنًا في فلسطين فإن الولايات المتحدة ستدخل الحرب.
ولعب الصهاينة الأمريكان دورًا لإفشال مصالحة عثمانية أمريكية في بداية الحرب 1917، فوزير الخارجية الأمريكي»روبرت لانسنج» استلم تقريرًا يفيد بأن الإمبراطورية العثمانية قلقة من مجريات الحرب، وهي تفكر جديًّا في كسر حلفها مع ألمانيا والدخول في سلام مع بريطانيا، مما سيضمن انتصارًا مؤزرًا للحلفاء، فقررت الولايات المتحدة إرسال وفد إلى الآستانة، وكان من ضمن الوفد القاضي الصهيوني «فرانكفورتر»، فبذل كل الجهد لإفشال زيارة الوفد، وتم له ذلك، فالسلام بين بريطانيا والعثمانيين كان سيُفشِل حلم ومخططات الصهيونية في وطنهم.
بالطبع لم تكتب الرسالة بين عشية وضحاها؛ فقد عُدلت مرات ومرات، ومُزقت المسودات مرات ومرات عبر المحيط الذي يفصل بريطانيا عن الولايات المتحدة،إلى أن اعتمدت في النهاية النسخة التي كتبها الموظف البريطاني «ليوبولد أميري»، وتبين لاحقًا أنه أيضًا كان مواليًا للصهيونية.
ولكن في نهاية المطاف هنالك وعد الله، وعد يفوق بلفور وأمريكا والعتاد والسلاح، وعد حفظ في سورة الإسراء:{فَإذا جاءَ وعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكم ولِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أوَّلَ مَرَّةٍ ولِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء: 7].
هذه كانت بعضًا من خفايا الرسالة المشؤومة، وأقول:إن عروستنا متزوجة، فضحى ويضحي الملايين من أبنائها من أجلها.
ــ الدستور