الأخبار

محمد التل يكتب: عظمة الله في محمد

محمد التل يكتب: عظمة الله في محمد
أخبارنا :  

محمد حسن التل :
من كان يظن أنه من قلب صحراء مظلمة بالجهل والضلال والتخلف يخيم عليها الكفر والشرك أن يخرج منها رجل يدعو إلى الإيمان بالله الواحد الأحد ، والعدل والمساواة بين الناس ، لا سيد ولا عبد ، ويسطع نور دعوته على الأرض كلها ، ومن كان يدرك أن القوم الذين عانقوا الكفر لقرون طويلة يتحولون إلى أمة ترهبها كل الأمم، وأن أولئك أجلاف الصحراء الذين كانوا يغطون في التخلف والغلظة والاقتتال فيما بينهم أن يصبحوا حملة مشاعر السلام والنور والرحمة والتآخي إلى العالمين .

هنا تتجلى عظمة الله عز وجل في بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، أنه حيث يشاء ووقتما يشاء يضع رحمته ويسطع نوره .

لم تكن هناك أمة في جزيرة العرب بل قبائل متناحرة تعيش على القتل والسلب ، وعلى الأطراف عرب ارتبطوا بالدول الكبرى آنذاك ، ارتباط العبد بالسيد ، وتحولوا إلى سياط على ظهور قومهم " وكأن التاريخ يعيد نفسه ".

أردت بهذه المقدمة أن تكون المدخل إلى الحديث في رحاب ذكرى سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي تجلت عظمة الله في خلقه وبعثه ، نبيا ورسولا إلى العالمين أجمعين ، ففي رحاب هذه الذكرى العظيمة تتواثب الأفكار والمعاني التي أثرت الحياة ثراءا كبيرا وغزيرا ، إلى الحد الذي يجعل تدفقها على الفكر والقلم أن يحتار الفرد إلى أي معنى يشير ، إلى عظمة الخلق أم إلى صلابة الموقف أم إلى عبقرية صنع الرجال ، أم إلى عبقرية القيادة والدعوة .

لقد تحمل محمد صلى الله عليه وسلم ما لا تتحمله الجبال الراسيات ، وسطر أعظم ملحمة دينية وبشرية وتاريخية غيرت وجه الأرض ، ومجرى الحياة على امتداد الزمان حتى ينادي الله عز وجل الخلق للحساب .

وحده نزل من الجبل ، وهو يحمل ثقل الرسالة ورهبتها ، نزل إلى قوم قلوبهم أقسى من الصخر ، وعقولهم آنذاك كانت أخف وزنا من رمال مكة في يوم عاصف ، تحركهم جاهليتهم ويتحكم بهم اعتزازهم بكفرهم وشركهم ، ويخضعون لعادات وتقاليد ضد طبيعة الحياة والخلق ، وحده واجههم مع ثلة من رجال لا ظهر لهم ولا مجير ، إلا إيمانهم بربهم وثقتهم بنصره ، هنا تبرز عظمة الرسول الأعظم كيف بدأ بالتوازي مع الدعوة في تربية جيل جديد من الرجال والنساء الذين سيقودون الدعوة والأمه ، ويخرجون إلى العالم يحملون مشاعل الدعوة إلى النور والسلام والتوحيد .

في كل مفصل من مفاصل مسيرة الإسلام منذ لحظة البعث العظيم في مكة وحرب قريش على الرسالة والمعاناة الكبيرة ثم الهجرة إلى المدينة المنورة حيث الدولة والشوكة والانتصار إلى رحيل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ، تثبت كل هذه المفاصل والأحداث كم هي عظمة الله في خلق محمد وبعثه رسولا ونبيا وأمينا على رسالته لخلقه .

في النظرة المتجردة للأحداث منذ نزول الرسالة نجد أن الله رعى هذه الرسالة وصاحبها ، وأنه تكفل بحمايتها وحفظها ، وإلا ما الذي جعل المئات المؤمنة تغلب الآلاف الكافرة ، ومن جعل من الجيوش الصغيرة التي خرجت من الجزيرة لمقاتلة أعظم القوى آنذاك في العالم ، أن تسحق الجيوش الجرارة التي جاءت لمحاربتها ، وأرعبت أعظم الملوك وهزت أعظم العروش ، اليس الله الذي وعد رسوله بالنصر في الدنيا وظهوره على الناس اجمعين؟
مهما امتدت الهزائم لهذه الامة ، ومهما اشتدت الكروب ، لن تبقى ، فكلما كبت قامت ، وقضى الله أن لا يسلط عليها من يستأصلها ويلغي وجودها ، وجعل ما تمر به من كروب وتعانيه من محن عقوبات مستحقة على التخاذل والقعود عن واحب القوامة التي أمرها الله العظيم أن تنهد بها ، وقد قضى الله أن تبقى أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمينة على الرسالة ، كما أكد ذلك الرسول نفسه عندما قال " مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أو آخره " وعندما قال " لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي الله بأمره وهم على ذلك " .

هذه الأمة قادرة على التجديد والنهوض وإن طالت أزمنة الظلمة ، لأن رسالتها هي التي تدفعها دائما إلى النهوض ، لأنها رسالة الله ، وقد تكفل بحفظها وصونها حتى قيام الساعة ووقوف الخصوم بين يديه جل جلاله لبحكم بينهم من صدق ومم كذب من ظلم ومن عدل..

الحديث في محراب ذكرى مولد الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يطول ويتنوع ويتشعب ، فكل قصة الإسلام وقصة نبيه ، قصة عظيمة حيث وضع الله عز وجل عظمته في الرسالة والأمين عليها ، وبالتالي في الأمة التي نزلت عليها الرسالة وبعث منها الرسول الأعظم ، فالعتمة لن تدوم والهزيمة لن تبقى، فسيغلب العلم الجهل وسيغلب النور الظلمة وسيهزم الصدق الكذب والإخلاص الخيانة وستكون النهاية كما كانت البداية..



مواضيع قد تهمك