الأخبار

مصطفى الريالات يكتب : «ناتو شَرق أوسطيّ»

مصطفى الريالات يكتب : «ناتو شَرق أوسطيّ»
أخبارنا :  

مصطفى الريالات ــ رئيس التحرير المسؤول :

دعوةُ جلالة المَلك عبدالله الثّاني لتشكيلِ نسخةٍ شرق أوسطيّة على غِرار «الناتو» لم تأتِ من فَراغ، فالحاجةُ لوجود هذا التّحالف مطلوبةٌ شريطةَ أنْ تكون مهمته «واضحةً جدًا، وإلا ستُربك الجميع»، إضافةً إلى مراعاةِ هذا التّحالف الارتباطاتِ الأُخرى مع دول العالم، والوصول إلى الصّيغة المُناسبة.
رؤيةُ الملك للتّحالف حدّدها جلالتُهُ أخيرًا في مُقابلة مع قناة «سي إن بي سي» تُبثُّ كاملةً بدايةَ الشّهر المُقبل، «أنّه يُمكن بناءُ حِلف يضمّ الدول ذاتَ التّوجهات المُتشابهة».. بمعنى أنّ من يُريد الانضمام للحِلف عليه أولًا أنْ يَحمل نفسَ الأفكار والمبادئ المُشتركة، فالعلاقةُ التاريخيةُ التي جمعت الأردنَّ مع حلف «الناتو» تستوجبُ تعميمَها، والتي جاءتْ على قاعدة التّعاون والشّراكة الاستراتيجيّة في المجالات العسكريّة والتدريبيّة والأمنيّة ومُكافحة الإرهاب، حيثُ كان للأردنِّ مساهماتٌ كبيرةٌ في المهمات والعَمليات المختلفةُ لـ»الناتو»، والعمل معًا ضمن جهود مُكافحة الإرهاب العالميّ، وحقّقنا تقدمًا كبيرًا في التّحالف الدّولي للقضاء على «داعش»، فضلاً عن الجهود المُشتركة في مجال تَعزيز أمن الحُدود.
فكرةُ إنشاء «ناتو» شرق أوسطيّ فكرةٌ قديمةٌ جديدةٌ، حيثُ كان هناك حديثٌ عن انضمام إسرائيل للحِلف، وهو ما رفضته الدّولُ العربيةُ حتى يتمّ حلُّ القضيّة الفلسطينيّة، وأنْ تلتزمَ إسرائيل بالثّوابت العربيّة، واليومَ، المُتغيرات في العالم والمنطقة تستوجبُ التّعاون الإقليميّ في جميع المَجالات، فإلى جانبِ التّعاون الأمنيّ والعسكريّ المُحتمل، بدأتْ دولُ الشّرق الأوسط العملَ معًا لمُواجهة التّحديات التي نشأتْ عن الحرب في أوكرانيا، فالتّعاون الإقليميّ ليس متعلقًا حصريًا بالجانب الاقتصاديّ (أسعار الطّاقة، الأمن الغذائيّ) بل يتعداهُ الى جانبٍ عسكريّ وأمنيّ وسياسيّ.
نَبَّه جلالةُ الملك إلى أنّ تنظيم «داعش» قد عاد، وأنّ ميليشياتٍ شيعيةً، و»ميليشا حزب الله» على الحُدود الأردنيّة الشماليّة، وأنّه لا يُوجد جيشٌ نظاميٌّ على الحُدود السوريّة، بعد أنْ تركَ انسحاب القوات الروسيّة للمُشاركة في حربِ أوكرانيا فراغًا ملأته إيران و»حزب الله»، حتى أصبحتْ هناك ميليشياتٌ على الحُدود، وتمَّ رصدُ عمليات تَهريب سلاحٍ ومخدراتٍ، وتمَّ التأكد أنّ مَصدرها هو الأراضي السوريّة».
يَخشى الأردنُّ في ظلِّ تداعياتِ الحَرب في أوكرانيا، وانشغالِ أمريكا وأوروبا بتداعياتِ الأزمة، واهتمامِ روسيا بإنجاز مهمتها، من أنْ تُصبح سوريا ملفًا مَنسيًّا في ظلّ تصدُّر أولويات المَلفات الدَّاخلية، التي تُشكِّل تحديًا لدول العَالم أجمع، وليس لدولةٍ واحدةٍ أو إطارٍ جغرافيّ (أسعار النفط المرتفعة جدًا والمُرشحة للارتفاع، الأمن الغذائيّ وأهمية مُواجهة هذا التّحدي)، وهذا يَستدعي تعزيزَ أمنِ واستقرارِ العراق، ودعمَ جُهود استقرارِ لبنان، ومُواصلة العملِ مع دول الخَليج العربيّ لتعزيز التّعاون الثنائيّ، والتّعاون الإقليميّ كمصلحةٍ مشتركةٍ، مثلما يعملُ الأردنُّ لتبقى القضيّة الفلسطينيّة في طَليعة الأجندة، ليس الوطنيّة فحسب بل في المَنطقة والإقليم والعَالم، وأهمية إيجاد حلٍّ وفقًا لقراراتِ الشرعيّة الدوليّة، وبخلافِ ذلك فإنَّ الصّراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ قد يُعرقل الخططَ والتّعاونَ في الشّرق الأوسط، وعدمُ تواصُل الجانبينِ «يَخلق حالةً من عدم الأمانِ وعدم الاستقرارِ في المنطقة، مما سيُؤثر على المَشاريع الإقليميّة».
لا سبيلَ لمُواجهة هذه التّحديات إلا بالتّعاون الإقليميّ على جَميع المُستوياتِ والمَلفاتِ، على قاعدةِ الحوارِ الذي باتَ ضرورةً ملحةً لإزالةِ العَراقيلِ التي تقفُ في مُواجهةِ تَحدياتٍ اقتصاديّةٍ وعسكريّةٍ وأمنيّةٍ وسياسيّةٍ، سَتطالُ مع استمرار الحَرب في أوكرانيا كلَّ دُول العَالم دونَ استنثاءٍ بوتيرةٍ متباينةٍ، وهو ما لا نُريد له أنْ يحدثَ، فالعملُ على إيجادِ حلولٍ على مَبدأ «رابح ـ رابح»، يضمنُ تأمينَ مَصلحةِ جَميعِ الأطرافِ.

مواضيع قد تهمك